وقدم الزاني في هذه الآية لأن الرجل أصل في النكاح من حيث أنه هو الطالب ومنه تبدأ الخطبة ولأن الآية نزلت في فقراء المهاجرين الذين رغبوا في نكاح موسرات كانت بالمدينة من بقايا المشركين لينفقن عليهن من أكسابهن على عادة الجاهلية كما قال الكاشفي :(بايا از يهود بامشر كان مدينة در بيوت نواخير نشسته هريك برد رخانة خود رايتي نصب كردندي ومردم رايخود دعوت نموده أجرت كرفتندي ضعفة مهاجرين كه مسكني وعشرتي تداشتند وازتنك ريشان مي كذرانيدند داعية كردندكه ايشانرا بنكاح درآ ورده كه وكراين نفس ازايشان كرفته برعادت أهل جاهليت معاش كذرانند) فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذلك فنفروا عنه ببيان أنه أفعال من الزناة وخصائص المشركين كأنه قيل : الزاني لا يرغب إلا في نكاح إحداهما والزانية لا يرغب في نكاحها إلا أحدهما فلا تحوموا حوله كيلا تنتظموا في سلكهما أو تتسموا بسمتهما فإيراد الجملة الأولى مع أن إمناط التنفير هي الثانية لتأكيد العلاقة بين الجانبين مبالغة في الزجر والتنفير لا مجرد الإشراك وإنما تعرّض
١١٦
لها في الأولى إشباعاً في التنفير عن الزانية بنظمها في سلك المشركة.
﴿وَحُرِّمَ ذَالِكَ﴾ أي نكاح الزاني :﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ لما فيه من التشبيه بالفسقة والتعرض للتهمة والتسبب بسوء المقالة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد لا يكاد يليق بأحد من الأداني والأرازل فضلاً عن المؤمنين ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة في الزجر والحكم إما مخصوص بسبب النزول أو منسوخ بقوله تعالى :﴿وَأَنكِحُوا الايَـامَى مِنكُمْ﴾ (النور : ٣٢) فإنه متناول للمسافحات ويؤيده ما روى أنه عليه السلام سئل عن ذلك فقال :"أو له سفاح وآخره نكاح" والحرام لا يحرم الحال.
وفي الآية إشارة إلى الحذر عن أخدان السوء والحث عن مخالطة أهل الصحبة والأخدان في الله تعالى فإن الطبع من الطبع يسرق والمقارنة مؤثرة والأمراض سارية وفي الحديث :"لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم وليس منا" أي : لا تسكنوا مع المشركين في المسكن الواحد ولا تجتمعوا معهم في المجلس الواحد حتى لا يسري إليكم أخلاقهم وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة وللناس أشكال يطير بشكله.
همه مرغان كند باجنس رواز
كبوتر با كبوتر باز با باز
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٤
وكل مساكن مثله كما قال قائلهم :
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فإن القرين بالمقارن يقتدي
فأما أهل الفساد فالفساد يجمعهم وإن تناءت ديارهم وأما أهل السداد فالسداد يجمعهم وإن تباعد مزارهم.
قال الكاشفي :(جنسيت علت ضمست ومشاكله سبب الفت :
هركس مناسب كهر خود كرفت يار
بلبل بباغ رفت وزغن سوى خارزار
وحرم محافظة أخدان السوء على المؤمنين لئلا يؤثر فيهم فساد حالهم وسوء أخلاقهم.
ومن بلاغات الزمخشري : لا ترش لمجالستك إلا أهل مجانستك أي لا ترض أن تكون جليس أحد من غير جنسك فإنه العذاب الشديد ليس إلا.
فقال بعضهم : الممينة موجودة في المؤمنات أيضاً ولكن علة الضم الجنسية فعلى العاقل أن يصون نفسه بقدر الإمكان فإن الله غيور ينبغي أن يخاف منه كل آن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٤
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ الرمي يقال في الأعيان كالسهم والحجر ويقال في المقال كناية عن الشتم كالقذف فإنه في الأصل الرمي بالحجارة ونحوها مطلقاً.
قال في "الإرشاد" في التعبير عن التفوه بما قالوا في حقهن بالرمي المنبىء عن صلابة الآلة وإيلام المرمى وبعده إيذان بشدة تأثيره فيهن والمحصنات العفائف وهو بالفتح يقال إذا تصور حصنها من نفسها وبالكسر يقال إذا تصور حصنها من غيرها والحصن في الأصل معروف ثم تجوز به في كل تحرز ومنه درع حصينة لكونها حصناً للبدن وفرس حصان لكونه حصناً لراكبه وامرأة حصان للعفيفة والمعنى والذين يقذفون العفائف بالزنى بدليل ذكر المحصنات عقيب الزواني وتخصيص المحصنات لشيوع الرمي فيهن وإلا فقذف الذكر والأنثى سواء في الحكم الآتي والمراد المحصنات الأجنبيات لأن رمي الأزواج أي النساء الداخلات تحت نكاح الرامين حكمه سيأتي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٧
وأجمعوا على أن شروط إحصان القذف خمسة الحرية والبلوغ والعقل والإسلام
١١٧