والعفة من الزنى حتى أن من زنى مرة في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حاله فقذفه شخص لا حد عليه والقذف بالزنى أن يقول العاقل لمحصنة : يا زانية يا ابن الزاني يا ابن الزانية يا ولد الزنى أو لست لأبيك يا ابن فلان في غضب والقذف بغيره أن يقول : يا فاسق يا شارب الخمر يا آكل الربا ويا خبيث يا نصراني يا يهودي يا مجوسي فيوجب التعزير كقذف غير المحصن وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطاً وأقله ثلاثة لأن التعزيز ينبغي أن لا يبلغ أقل الحد أربعين وهي حد العبيد في القذف بالزنى والشرب وأما أبو يوسف فاعتبر حد الأحرار وهو ثمانون سوطاً ونقص منها سوطاً في رواية وخمسة في رواية وقال الإمام أن يعزر إلى المائة والفرق بين التعزير والحد أن الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الإمام وأن الحد يندرىء بالشبهات دونه وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع والحد يطلق على الذمي إن كان مقدراً والتعزير لا يطلق عليه لأن التعزير شرع للتطهير والكافر ليس من أهل التطهير وإنما سمي في حق أهل الذمة إذا كان غير مقدر عقوبة وأن التقادم يسقط الحد دون التعزير وأن التعزير حق العبد كسائر حقوقه ويجوز فيه الإبراء والعفو والشهادة على الشهادة ويجري فيه اليمين ولا يجوز شيء منها في الحد ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ يشهدون عليهن بما رموهن به ولا يقبل فيه شهادة النساء كما في سائر الحدود وفي كلمة ثم إشعار بجواز تأخيره الإتيان بالشهود وفي كلمة لم إشارة إلى العجز عن الإتيان بهم ولا بد من اجتماع الشهود عند الأداء عند أبي حنيفة رحمه الله أي الواجب أن يحضروا في مجلس واحد وإن جاؤوا متفرقين كانوا قذفة وفي قوله : بأربعة شهداء دلالة على أنهم إن شهدوا ثلاثة يجب حدهم لعدم النصاب وكذا إن شهدوا عمياناً أو محدودين في قذف أو أحدهم محدود أو عبد لعدم أهلية الشهادة.
﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَـانِينَ جَلْدَةً﴾ انتصاب ثمانين كانتصاب المصادر ونصب جلدة على التمييز أي اضربوا كل واحد من الرامين ثمانين ضربة إن كان القاذف حراً وأربعين إن كان عبداً لظهور كذبهم وافترائهم بعجزهم عن الإتيان بالشهداء.
وبالفارسية :(س بزنيد ايشانرا عشتاد تازيانه) وإن كان المقذوف زانياً عزر القاذف ولم يحد إلا أن يكون المقذوف مشهوراً بما قذف به فلا حد ولا تعزير حينئذ ويجلد القاذف كما يجلد الزاني إلا أنه لا ينزع عنه من الثياب إلا ما ينزع عن المرأة من الحشو والفرو والقاذفة أيضاً في كيفية الجلد مثل الزانية وضرب التعزير أشد ثم للزنى ثم للشرب ثم للقذف لأن سبب حده محتمل للصدق والكذب وإنما عوقب صيانة للأعراض.
وبالفارسية :(حد قذف ازحد زنى وحد شرب اخص است زيراكه حد زنى بقرآن ثابت شده وثبوت حد شرب يقول صحابه أست وسبب حد قذف محتمل است مر صدق رائي) وإن كان نفس الحد ثابتاً بالنص وإنما يحد بطلب المقذوف المحصن لأن فيه حقه من حيث دفع العار عنه ولا بد أن يكون الطلب بالقول حتى لو قذف الأخرس وطلبه بالإشارة لا يجب الحد وكون المقذوف غائباً عن مجلس القاذف حال القذف أو حاضراً سواء فاحفظه ويجوز للمقذوف أن يعفو عن حد القذف قبل أن يشهد ويثبت الحد والإمام أيضاً ويحسن منه أن يحمل المقذوف على كظم الغيظ ويقول له أعرض عن هذا ودعه لوجه الله قبل ثبوت الحد فإذا ثبت لم يكن
١١٨
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٧
لواحد منهما أن يعفو لأنه خالص حق الله ولهذا لم يصح أن يصالح عنه بمال وإذا تاب القاذف قبل أن يثبت الحد سقط وإذا قذف الصبي أو المجنون امرأته أو أجنبياً فلا حد عليهما ولا لعان لا في الحال ولا إذا بلغ أو أفاق ولكن يعذران تأديباً ولو قذف شخصاً مراراً فإن أراد زنية واحدة وجب حد واحد وإن أراد زنيات مختلفة كقوله : زنيت بزيد وبعمرو لتعدد اللفظ كما في "الكبير" ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَـادَةً﴾ عطف على اجلدوا داخل في حكمه تتمة له لما فيه من معنى الزجر لأنه مؤلم للقلب كما أن الجلد مؤلم للبدن وقد أذى المقذوف بلسانه فعوقب بإهدار منافعه جزاء وفاقاً واللام في لهم متعلقة بمحذوف هو حال من شهادة قدمت عليها لكونها نكرة وفائدتها تخصيص الرد بشهادتهم الناشئة عن أهليتهم الثابتة لهم عند الرمي وهو السر في قبول شهادة الكافر المحدود في القذف بعد التوبة والإسلام لأنها ليست ناشئة عن أهليته السابقة بل أهليته حدثت له بعد إسلامه فلا يتناول الرد والمعنى لا تقبلوا من القاذفين شهادة من الشهادات حال كونها حاصلة لهم عند القذف.
﴿أَبَدًا﴾ أي مدة حياتهم وإن تابوا وأصلحوا.
﴿وأولئك هُمُ﴾ لا غيرهم ﴿الْفَـاسِقُونَ﴾ الكاملون في الفسق والخروج عن الطاعة والتجاوز عن الحدود كأنهم هم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم من الفسقة.
قال في "الكبير" : يفيد أن القذف من الكبائر لأن الفسق لا يقع إلا على صاحبها.