﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا﴾ استثناء من الفاسقين ﴿مِنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ أي من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ أعمالهم بالتدارك ومنه الاستسلام للحد والاستحلال من المقذوف.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ تعليل لما يفيده الاستثناء من العفو عن المؤاخذة بموجب الفسق كأنه قيل : فحينئذٍ لا يؤاخذهم الله بما فرط منهم ولا ينظمهم في سلك الفاسقين لأنه مبالغ في المغفرة والرحمة.
وفي الآية إشارة إلى غاية كرم الله ورحمته على عباده بأن يستر عليهم ما أراد بعضهم إظهاره على بعض ولم يظهر صدق أحدهما أو كذبه ولتأديبهم أوجب عليهم الحد ورد قبول شهادتهم أبداً وسماهم الفاسقين وليتصفوا بصفاته الستارية والكريمية والرحيمية فيما يسترون عيوب إخوانهم المؤمنين ولا يتبعوا عوراتهم وقد شدد النبي على من يتبع عورات المسلمين ويفشى أسرارهم :"يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن من قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإنه من يتبع عوراتهم يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد" وقال عليه السلام :"من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة"، قال الشيخ سعدي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٧
منه عيب خلق فرومايه يش
كه شمت فرودوزدازعيب خويش
كرت زشت خوبي بود درسرشت
نه يني زطاوس جزاي زشت
طريق طلب كزعقوبت رهى
نه حرفي كه انكشت بروي نهي
وفي الآية إشارة أيضاً إلى كمال عنايته تعالى في حق عباده بأنه يقبل توبتهم بعد ارتكاب الذنوب العظام ولكن بمجرد التوبة لا يكون العبد مقبولاً إلا بشرط إزالة فساد حاله وإصلاح أعماله.
قال بعضهم : علامة تصحيح التوبة وقبولها ما يعقبها من الصلاح والتوبة هي الرجوع عن كل ما يذمه العلم واستصلاح ما تعدى في سالف الأزمنة مداومتها باتباع العلم
١١٩
ومن لم يعقب توبته الصلاح كانت توبة بعيدة عن القبول :
فراشو وبيني در صلح باز
كه ناكه درتوبه كردد فراز
مروزير بار كناه أي شر
كه حمال عاجز بود درسفر
بهشت اوستاندكه طاعت برد
كرا نقد بايد بضاعت برد
اكر مرغ دولت زقيدت بجست
هنززش سررشته داري بدست
أي فاسع إلى إصلاح عملك قبل حلول أجلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٧
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ بيان لحكم الرامين لزوجاتهم خاصة بعد بيان حكم الرامين لغيرهن أي والذين يقذفون نساءهم بالزنى بأن يقول لها يا زانية أو زنيت أو رأيتك تزني.
قال في "بحر العلوم" : إذا قال يا زانية وهما محصنان فردت بلا بل أنت حدت لأنها قذفت الزوج وقذفه إياها لا يوجب الحد بل اللعان وما لم ترفع القاذف إلى الإمام لم يجب اللعان.
قال ابن عباس رضي الله عنهما لما نزل قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ قال عاصم بن عدي الأنصاري : أن دخل رجل منا بيته فرأى رجلاً على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج وإن قتله قتل به وإن قال : وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضرب وإن سكت سكت على غيظ اللهم افتح وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويم وكان له امرأة يقال لها خولة بنت قيس فأتى عويم عاصماً فقال : لقد رأيت شريكاً بن السحماء على بطن امرأتي خولة فاسترجع عاصم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بهذا السؤال في أهل بيتي فقال عليه السلام :"وما ذاك" قال أخبرني عويم ابن عمي أنه رأى شريكاً على بطن امرأته خولة فدعا رسول الله إياهم جميعاً فقال لعويم :"اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها" فقال : يا رسول الله تالله لقد رأيت شريكاً على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنها حبلى من غيري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم "اتقي الله ولا تخبري إلا بما صنعت" فقالت : يا رسول الله إن عويماً رجل غيور وإنه رأى شريكاً يطيل النظر إليّ ويحدثني فحملته الغيرة على ما قال : فأنزل الله تعالى قوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٠


الصفحة التالية
Icon