﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ وبين به أن حكم قذف الزوجة اللعان فأمر رسول الله بأن يؤذن الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويم : قم وقل :"أشهد بالله أن خولة لزانية وإني لمن الصادقين" فقال : ثم قال في الثانية :"أشهد أني رأيت شريكاً على بطنها وإني لمن الصادقين" ثم قال في الثالثة :"أشهد بالله أنها لحبلى من غيري وإني لمن الصادقين" ثم قال في الرابعة :"أشهد بالله أنها زانية وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين" ثم قال في الخامسة :"لعنة الله على عويم" يعني نفسه :"إن كان من الكاذبين" ثم قال له : أقعد وقال لخولة : قومي فقامت وقالت :"أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين" وقالت في الثانية :"أشهد بالله ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين" وقالت في الثالثة :"أشهد بالله ما أنا حبلى إلا منه وإنه لمن الكاذبين" وقالت في الرابعة :"أشهد بالله ما رأني على فاحشة قط وإنه لمن الكاذبين" وقالت في الخامسة :"غضب الله على خولة إن كان عويم من الصادقين في قوله" ففرق النبي عليه السلام بينهما وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب وذلك قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ﴾ يشهدون بما
١٢٠
رموهن من الزنى ﴿إِلا أَنفُسُهُمْ﴾ بدل من شهداء جعلوا من جملة الشهداء إيذاناً من أول الأمر بعدم إلقاء قولهم بالمرة ونظمها في سلك الشهادة في الجملة ﴿فَشَهَـادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ أي شهادة كل واحد منهم وهو مبتدأ خبره قوله :﴿أَرْبَعُ شَهَـادَات﴾ أي : فشهادتهم المشروعة أربع شهادات ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق بشهادات ﴿إِنَّه لَمِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ أي : فيما رماها به من الزنى وأصله على أنه إلخ فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها للتأكيد.
﴿وَالْخَـامِسَةَ﴾ أي الشهادة الخامسة للأربع المتقدمة أي الجاعلة لها خمساً بانضمامها إليهن وهي مبتدأ خبره قوله :﴿وَالْخَـامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ اللعن طرد وإبعاد على سبيل السخط وذلك من الله في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول فيضه وتوفيقه ومن الإنسان دعاء على غيره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٠
قال بعضهم : لعنة الكفار دائمة متصلة إلى يوم القيامة ولعنة المسلمين معناها البعد من الخير والذي يعمل معصية فهو في ذلك الوقت بعيد من الحير فإذا خرج من المعصية إلى الطاعة يكون مشغولاً بالخير.
﴿إِن كَانَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ فيما رماها به من الزنى فإذا لاعن الرجل حبست الزوجة حتى تعترف فترجم أو تلاعن.
﴿وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ أي : يدفع عن المرأة المرمية العذاب الدنيوي وهو الحبس المغيا على أحد الوجهين بالرجم الذي هو أشد العذاب يقال : درأ دفع، وفي الحديث :"ادرأوا الحدود بالشبهات" تنبيهاً على تطلب حيلة يدفع بها الحد ﴿أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَـادَاتا بِاللَّه إِنَّهُ﴾ أي الزوج ﴿لَمِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ فيما رماني به من الزنى.
﴿وَالْخَـامِسَةَ﴾ بالنصب عطفاً على أربع شهادات.
﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَآ﴾ الغضب ثوران دم القلب إرادة الانتقام ولذلك قال عليه السلام :"اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه" فإذا وصف الله به فالمراد الانتقام دون غيره ﴿إِن كَانَ﴾ أي : الزوج ﴿مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ أي : فيما رماني به من الزنى وتخصيص الغضب بجانب المرأة للتغليظ عليها لما أنها مادة الفجور ولأن النساء كثيراً ما يستعمل اللعن فربما يجترىء على التفوه به لسقوط وقعه على قلوبهن بخلاف غضبه تعالى.
والفرقة الواقعة باللعان في حكم التطليقة البائنة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا يتأبد حكمها حتى إذا كذب الرجل نفسه بعد ذلك فحدّ جاز له أن يتزوّجها وعند أبي يوسف وزفر والحسن بن زياد والشافعي هي فرقة بغير طلاق توجب تحريماً مؤبداً اليس لهما اجتماع بعد ذلك أبداً وإذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة بأن كان عبداً أو كافراً بأن أسلمت امرأته فقذفها قبل أن يعرض عليه الإسلام أو محدوداً في قذف وهي من أهلها حد الزوج ولا لعان لعدم أهلية اللعان وبيان اللعان مشبعاً موضعه الفقه فليطلب هناك وكذا القذف.
﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ جواب لولا محذوف لتهويله والإشعار بضيق العبارة عن حصره كأنه قيل : ولا تفضله عليكم ورحمته أيها الرامون والمرميات وأنه تعالى مبالغ في قبول التوبة حكيم في جميع أفعاله وأحكامه التي من جملتها ما شرع لكم من حكم اللعان لكان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان ومن جملته أنه تعالى لو لم يشرع لهم ذلك لوجب على الزوج حد القذف مع أن الظاهر صدقه لأنه أعرف بحال زوجته وأنه لا يفترى عليها لاشتراكهما في الفضاحة وبعد ما شرع لهم ذلك لو جعل شهاداته موجبة لحدّ القذف عليه
١٢١


الصفحة التالية
Icon