قال القرطبي : وكان صاحب ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لشجاعته وكان من خيار الصحابة انتهى كان يسوق الجيش ويلتقط ما يسقط من المتاع كما في الإنسان فأصبح عند منزلي فرأى سواداً أي شخص إنسان فأتاني فعرفني فاستيقظت باسترجاعه أي بقوله إناوإنا إليه راجعون أي لأن تخلف أم المؤمنين عن الرفقة في مضيقة مصيبة أي مصيبة فخمرت وجهي في جلبابي وهو ثوب أقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطي به المرأة رأسها والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه أي لأنه استعمل الصمت أدباً وهوى حتى أناخ راحلته فقمت إليها فركبتها وانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش في بحر الظهيرة أي وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاهامن الارتفاع وهم نازلون.
وبهذه الواقعة استدل بعض الفقهاء على أنه يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية أو نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها.
وفي "معاني الآثار" للطحاوي : قال أبو حنيفة وكان الناس لعائشة محرماً فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى.
يقول الفقير : لعل مراد الإمام رحمه الله تعالى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم وإن كان كلهن محارم للأمة لأنه تعالى قال :﴿وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ﴾ (الأحزاب : ٦) وحرم عليهم نكاحهن كما قال :﴿وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَه مِنا بَعْدِه أَبَدًا﴾ (الأحزاب : ٥٣) إلا أن عائشة كانت أفضل نسائه بعد خديجة وأقربهن منه من حيث خلافتها عنه في باب الدين ولذا قال :"خذوا ثلثي دينكم عن عائشة" فتأكدت الحرمة من هذه الجهة إذ لا بد لأخذ الدين من الاستصحاب للسفر والحضر والله أعلم، قالت : فلما نزلنا هلك في من هلك بقول البهتان والأفتراء وكان أول من أشاعه في المعسكر عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين فإنه كان ينزل مع جماعة المنافقين متبعدين من الناس فمرت عليهم فقال : من هذه؟ قالوا : عائشة وصفوان فقال : فجربها ورب الكعبة فأفشوه وخاض أهل المعسكر فيه فجعل يرويه بعضهم عن بعض ويحدث به بعضهم بعضاً قالت : فقدمنا المدينة فاشتكيت أي مرضت حين قدمت شهراً ووصل الخبر إلى رسول الله وإلى أبويّ ولا أشعر بشيء من ذلك غير أنه يريبني أن لا أعرف من رسول الله العطف
١٢٣
الذي كنت أرى منه حين اشتكيت فلما رأيت ذلك قلت : يا رسول الله لو أذنت لي فأنقلب إلى أبويّ يمرضاني والتمريض القيام على المريض في مرضه قال : لا بأس فانقلبت إلى بيت أبويّ وكنت فيه إلى أن برئت من مرضي بعد بضع وعشرين ليلة فخرجت في بعض الليالي ومعي أم مسطح كمنبر وهي بنت خالة أبي بكر رضي الله عنه قبل المناصع وهي مواضع يتخلى فيها لبول أو حاجة ولا يخرج إليها إلا ليلاً وكان عادة أهل المدينة حينئذٍ أنهم كانوا لا يتخذون الكنيف في بيوتهم كالأعاجم بل يذهبون إلى محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا وأقبلنا إلى البيت عثرت أم مسطح في مرطها وهو كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به فقالت : تعس مسطح بفتح العين وكسرها أي هلك تعني ولدها والمسطح في الأصل عمود الخيمة واسمه عوف فقلت لها : أتسبين رجلاً قد شهد بدراً فقالت : أو لم تسمعي ما قال قلت : وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرض أي عاودني المرض وازددت عليه وبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
شمم ذكريه برسر آبست روز شب
جانم زناله درتب وتابست روز شب
فاستشار رسول الله في حقي فأشار بعضهم بالفرقة وبعضهم بالصبر وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء فقام وأقبل حتى دخل عليّ وعندي أبواي ثم جلس فتشهد ثم قال :"أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا فإن كنت بريئة فيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب الله تاب إلى الله عليه" فلما قضى رسول الله كلامه قلص دمعي أي ارتفع حتى ما أحس منه بقطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله فيما قال، قال : والله لا أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت : لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة منه لتصدقوني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف أي يعقوب :﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ (يوسف : ١٨).
صبري كنيم تاكرم أوه ميكند


الصفحة التالية
Icon