قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذٍ أعلم أني بريئة والله مبرئي ببراءة ولكني والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى النبي عليه السلام رؤيا يبرئني الله بها قالت : فوالله ما قام رسول الله عن مجلسه ولا خرج من البيت حتى أخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي أي من شدة الكرب فسجي أي غطي بثوب ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه وكان ينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الثاني من ثقل القول الذي أنزل عليه والجمان حبوب مدحرجة تجعل من الفضة أمثال اللؤلؤ فلما سرى عنه وهو يضحك ويمسح العرق من وجهه الكريم كان أول كلمة تكلم بها "أبشري يا عائشة أما إن الله قد برأك".
فقالت أمي : قومي إليه فقلت : والله لا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُو بِالافْكِ﴾ الآيات.
قال السهيلي : كان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة في قول المفسرين فمن نسبها إلى الزنى كغلاة الرافضة كان كافراً لأن في ذلك تكذيباً للنصوص
١٢٤
القرآنية ومكذبها كافر.
وفي "حياة الحيوان" : عن عائشة رضي الله عنها لما تكلم الناس بالإفك رأيت في منامي فتى فقال لي : مالك؟ قلت : حزينة مما ذكر الناس فقال : ادعى بكلمات يفرج الله عنك قلت : وما هي؟ قال : قولي : يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغم ويا كاشف الظلم ويا اعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً قالت : فانتبهت وقلت ذلك وقد أنزل الله فرجي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
قال بعضهم : برأ الله أربعة بأربعة يوسف بشاهد من أهل زليخا وموسى من قول اليهود فيه أن له أدرة بالحجر الذي فر بثوبه ومريم بإنطاق ولدها وعائشة بهذه الآيات وبعد نزولها خرج عليه السلام إلى الناس وخطبهم وتلاها عليهم وأمر بجلد أصحاب الإفك ثمانين جلدة.
وعن عائشة أن عبد الله بن أبي جلد مائة وستين أي حدين قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهكذا يفعل لكل من قذف زوجة نبيّ أي يجوز أن يفعل به ذلك.
وفي "الخصائص الصغرى" : من قذف أزواجه عليه السلام فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره ويقتل كما نقله القاضي وغيره وقيل : يختص القتل بمن قذف عائشة ويحدّ في غيرها حدّين كذا في "إنسان العيون" :.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما لم تبغ امرأة نبي قط وأما قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ (التحريم : ١٠) فالمراد آذتاهما قالت امرأة نوح في حقه أنه لمجنون وامرأة لوط دلت على أضيافه وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون زانية لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم إلى الدين وإلى قبول ما قاله من الأحكام والثواب والعقاب وهذا المقصود لا يحصل إذا كان في الأنبياء ما ينفر الكفرة عنهم والكفر ليس مما ينفر عندهم بخلاف الفجور فإنه من أعظم المنفرات.
وعن "كتاب الإشارات" : للفخر الرازي رحمه الله أنه عليه السلام في تلك الأيام التي تكلم فيها بالإفك كان أكثر أوقاته في البيت فدخل عليه عمر فاستشاره في تلك الواقعة فقال : يا رسول الله أنا أقطع بكذب المنافقين وأخذت براءة عائشة من أن الذباب لا يقرب بدنك فإذا كان الله صان بدنك أن يخالطه الذباب لمخالطته القاذورات فكيف بأهلك ودخل عليه عثمان فاستشاره فقال : يا رسول الله أخذت براءة عائشة من ظلك لأني رأيت الله صان ظلك أن يقع على الأرض أي لأن ظل شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ بالأقدام فإذا صان الله ظلك فكيف بأهلك ودخل عليّ فاستشاره فقال : يا رسول الله أخذت براءة عائشة من شيء هو أنّا صلينا خلفك وأنت تصلي بنعليك ثم أنك خلعت إحدى نعليك فقلنا : ليكون ذلك سنة لنا فقلت :"لا إن جبريل قال : إن في تلك النعل نجاسة" فإذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف بأهلك فسرّ عليه السلام بذلك فصدقهم الله فيما قالوا وفضح أصحاب الإفك بقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُو بِالافْكِ﴾ ﴿عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ﴾ خبر إن والعصبة والعصابة جماعة من العشرة إلى الأربعين والمراد هنا عبد الله بن أبي وزيد بن رفاعة ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم واختلفوا في حسان بن ثابت والذي يدل على براءته ما نسب إليه في أبيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
مهذبة قد طيب اللَّه خيمها
وطهرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتمو
فلا رفعت سوطي إليّ أناملي
١٢٥
وكيف وودّي ما حييت ونصرتي
لآل رسول الله زين المحافل
كما في "إنسان العيون".
قال الإمام السهيلي في "كتاب التعريف والإعلام" : قد قيل أن حسان لم يكن فيهم أي في الذين جاؤوا بالإفك فمن قال أنه كان فيهم أنشد البيت المروي حين جلدوا الحدّ.
لقد ذاق حسان الذي كان أهله
وحمنة إذ قالا لهجر ومسطح


الصفحة التالية
Icon