ومن برأه الإفك قال إنما الرواية في البيت.
لقد ذاق عبد اللَّه ما كان أهله
انتهى : ومعنى الآية أن الذين آتوا الكتاب في أمر عائشة جماعة كائنة منكم في كونهم موصوفين بالإيمان وعبد الله أيضاً كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهراً وإن كان رئيس المنافقين خفية ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ﴾ الخطاب لرسول الله وأبي بكر وعائشة وصفوان ولمن ساءه ذلك من المؤمنين تسلية لهم من أول الأمر والضمير للإفك ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لاكتسابكم الثواب العظيم لأنه بلاء مبين ومحنة ظاهرة وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في نزاهة ساحتكم وتعظيم شأنكم وتشديد الوعيد فيمن تكلم فيكم والثناء على من ظنّ بكم خيراً ﴿لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُم﴾ أي : من أولئك العصبة والامرؤ الإنسان والرجل كالمرء والألف للوصل.
﴿مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الاثْمِ﴾ بقدر ما خاض فيه لأن بعضهم تكلم بالإفك وبعضهم ضحك وبعضهم سكت ولم ينههم.
قال في "التأويلات" : على حسب سعايتهم وفساد ظنهم وهتك حرمة حرم نبيهم انتهى والإثم الذنب.
﴿وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ أي : تحمل معظم الإفك.
قال في "المفردات" : فيه تنبيه على أن كل من سنّ سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر ﴿مِّنْهُم﴾ من العصبة وهو ابن أبي فإنه بدأ به وأذاعه بين الناس عداوة لرسول الله كما سبق.
﴿لَه عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي لعبد الله نوع من العذاب العظيم المه لأن معظم الشر كان منه فلما كان مبتدئاً بذلك القول لا جرم حصل له من العقاب مثل ما حصل لكل من قال ذلك لقوله عليه السلام "من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
وفي "التأويلات النجمية" :﴿لَه عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يؤاخذ بجرمه وهو خسارة الدنيا والآخرة ثم أورد الحديث المذكرو.
هركه بنهد سنتي بداي فتى
تادر افتد بعد أو خلق ازعمى
جمع كردد بروى آن جمله بزه
كو سرى بودست وايشان دم غزه
﴿لَّوْلا﴾ تحضيضية بمعنى هلا.
وبالفارسية (را) ومعناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ واللوم على ترك الفعل إذ لا يتصور الطلب في الماضي وإذا دخلت على المضارع فمعناها الحض على الفعل والطلب له فهي في المضارع بمعنى الأمر.
﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أيها الخائضون، أي : الشارعون في القول الباطل ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ عدول إلى الغيبة لتأكيد التوبيخ فإن مقتضى الإيمان الظن بالمؤمن خيراً وذب الطاعنين فيه فمن ترك هذا الظن والذب فقد ترك العمل بمقتضى الإيمان والمراد بأنفسهم أبناء جنسهم النازلون منزلة أنفسهم كقوله تعالى :﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ (الحجرات : ١١) فإن المراد لا يعيب بعضكم بعضاً فإن المؤمنين كنفس واحدة إذ كان الواجب أن يظن المؤمنون والمؤمنات أول ما سمعوه ممن اخترع بالذات أو بالواسطة من
١٢٦
غير تلعثم وتردد بمثلهم من آحاد المؤمنين خيراً.
في ذلك الآن ﴿هَـاذَآ﴾ (اين سخن) ﴿إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ أي : ظاهر مكشوف كونه إفكاً فكيف بالصديقة بنت الصديق أم المؤمنين حرم رسول الله.
يعني : حق سبحانه (أزواج يغمبر نكاه ميدارد از مثل اين حالها بتعظيم وتكريم ايشان).
﴿لَّوْلا جَآءُو﴾ (را نياوردند).
﴿عَلَيْهِ﴾ (برين سخن را) ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ أي : هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ما قالوا وهو إما من تمام القول أو ابتداء كلام من الله.
﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَآءِ﴾ الأربعة فأولئك المفسدون ﴿عِندَ اللَّهِ﴾ في حكمه وشرعه المؤسس على الدلائل الظاهرة المتقنة.
﴿هُمُ الْكَـاذِبُونَ﴾ الكاملون في الكذب المشهود عليه بذلك المستحقون لإطلاق الاسم عليه دون غيرهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
قال الكاشفي :(ايشانند دروغ كويان در ظاهر وباطن ه اكر كواه آوردندى در ظاهر حكم كاذب نبودندي اما در باطن كاذب بودندى زيراكه اين صورت برازدواج انبيا ممتنع است وون كواه نياوردند در ظاهر اين كار نيز كاذبند).
قال القرطبي وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه ولكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب لا في علم الله وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه وأجمع العلماء على أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن السرائر إلى الله.
﴿وَلَوْلا﴾ امتناعية، أي لامتناع الشيء لوجود غيره.
﴿فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ خطاب للسامعين والمسلمين جميعاً ﴿فِى الدُّنْيَا﴾ من فنون النعم التي من جملتها الإمهال بالتوبة ﴿وَالاخِرَةِ﴾ من ضروب الآلاء التي من جملتها العفو والمغفرة المقدران لكم ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ عاجلاً.
يعني (هر آينه بر سيدي شمارا) ﴿فِى مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ أي : بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك.
﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يستحقر دونه التوبيخ والجلد.


الصفحة التالية
Icon