﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ جواب لولا محذوف أي لولا فضله وإنعامه عليكم وأنه بليغ الرأفة والرحمة بكم بالعقاب على ما صدر منكم.
وفي الآيتين إشارات :
منها : أن أهل الإفك كما يعاقبون على الإظهار يعاقبون بإسرار محبة الإشاعة فدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضرهم وفي الحديث :"إني لأعرف قوماً يضربون صدورهم ضرباً يسمعه أهل النار وهم الهمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ويهتكون ستورهم ويشيعون لهم الفواحش"، وفي الحديث :"أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يرى أن يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يرميه بها في النار" كما في "الكبير" فالصنيع الذي ذكر من أهل الإفك ليس من صنيع أهل الإيمان فإن من صنيع أهل الإيمان ما قال عليه السلام :"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وقال :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كنفس واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٠
بني آدم اعضاى يكد يكرند
كه در آفرينش زيك كوهرند
و عضوى بدر دآوردر وزكار
دكر عضوها را نماند قرار
توكز محنت ديكران بي غمى
نشايد كه نامت نهند آدمى
فمن أركان الدين مظاهرة المسلمين وإعانة أهل الدين وإرادة الخير بكافة المؤمنين والذي يود الفتنة وافتضاح الناس فهو شر الخلق كالخناس.
ومنها أن ترك المعاجلة بالعذاب تعريض للتوبة فدل على أن عذاب الآخرة إنما هو على تقدير الإصرار وعليه يحمل قوله عليه السلام :"إذا كان يوم القيامة حد الله الذين شتموا عائشة ثمانين على رؤوس الخلائق فيستوهب لي المهاجرين منهم وأستأمرك
١٣٠
يا عائشة".
قال الراوي فلما سمعت عائشة وكانت في البيت بكت وقالت :"والذي بعثك بالحق نبياً لسرورك أحب إليّ من سروري" فتبسم رسول الله ضاحكاً وقال :"ابنة صديق".
ومنها غاية كرم الله ورحمته وفضله على عباده حيث يتفضل عليهم ويرحمهم ويزكيهم عن أوصافهم الذميمة مع استحقاقهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة فإنه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب ولو كان العذاب لكان من جهتهم بسوء اختيارهم عصمنا الله وإياكم من الأوصاف الذميمة الموجبة للعذاب الأليم وشرفنا بالأخلاق الحميدة الباعثة على الدرجات والتنعمات في دار النعيم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٠
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ} جمع خطوة بضم الخاء وهي ما بين القدمين أي ما بين رجلي الخاطي وبالفتح المرة الواحدة من الخطو ثم استعمل اتباع الخطوات في الاقتداء وإن لم يكن ثمة خطو يقال : اتبع خطوات فلان ومشى على عقبه إذا استنّ بسنته والمراد ههنا سيرة الشيطان وطريقته.
والمعنى لا تسلكوا الطرق التي يدعوكم إليها الشيطان ويوسوس بها في قلوبكم ويزينها لأعينكم ومن جملتها إشاعة الفاحشة وحبها ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ﴾ فقد ارتكب الفحشاء والمنكر فقوله :﴿فَإِنَّهُ﴾ أي : الشيطان ﴿يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ﴾ علة للجزاء وضعت موضعه والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه عرفاً وعقلاً سواء كان فعلاً أو قولاً والمنكر ما ينكره الشرع.
وقال أبو الليث : المنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنة.
وفي "المفردات" : المنكر كل شيء تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه العقول وتحكم بقبحه الشريعة واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تحقيراً لشأنهم ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بهذه البيانات والتوفيق للتوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها ﴿مَا زَكَى﴾ ما طهر من دنس الذنوب.
﴿مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ من الأولى بيانية والثانية زائدة واحد في حيز الرفع على الفاعلية.
﴿أَبَدًا﴾ آخر الدهر لا إلى نهاية.
﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى﴾ يطهر ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه وحمله على التوبة ثم قبولها منه كما فعل بكم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
وفيه حجة على القدرية فإنهم زعموا أن طهارة النفوس بالطاعات والعبادات من غير توفيق من الله.
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ مبالغ في سمع الأقوال التي من جملتها ما قالوه من حديث الإفك وما أظهروه من التوبة منه ﴿عَلِيمٌ﴾ بجميع المعلومات التي من جملتها نياتهم وفيه حث لهم على الإخلاص في التوبة.
كر نباشد نيت خالص ه حاصل از عمل
وفي الآية أمور :


الصفحة التالية
Icon