منها : أن خطوات الشيطان كثيرة وهي جملة ما يطلق عليه الفحشاء والمنكر ومن جملته القذف والشتم والكذب وتفتيش عيوب الناس وفي الحديث :"كلام ابن آدم كله عليه لاله إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو ذكر الله تعالى" وفي الحديث :"كثرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له كاذب" وفي الحديث :"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة وجانب أهل الجهل والمعصية.
وعن بعضهم خطوات الشيطان النذور في معصية الله كما في "تفسير أبي الليث" فيخرج منها النذور في طاعة الله كالصلاة والصوم ونحوهما مما ينهى عن الفحشاء
١٣١
والمنكر فضلاً عن كونه فحشاء أو منكراً.
ومنها : أن أمر التزكية إنما هو إلى الله فإنه بفضله ورحمته وفق العبد للطاعات والأسباب ولكن لا بد للعبد من أستاذ يتعلم منه كيفية التزكية على مراد الله تعالى وأعظم الوسائل هو النبي عليه السلام ثم من أرشده إلى الله تعالى.
قال شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري قدس سره : مشايخي في علم الحديث وعلم الشريعة كثيرة وأما شيخي في الطريقة فالشيخ أبو الحسن الخرقاني فلولا رأيته ما عرفت الحقيقة فأهل الإرشاد هداة طريق الدين ومفاتيح أبواب اليقين فوجود الإنسان الكامل غنيمة ومجالسته نعمة عظيمة.
زمن أي دوست أين يك ند بذير
بروفتراك صاحب دولتي كيير
كه قطره تا صدف را درنيابد
نكردد كوهر روشن نتابند
ثم أن التزكية الحقيقية تطهر القلب عن تعلقات الأغيار بعد تطهيره عن الميل إلى المعاصي والأوزار وقوله :﴿مَن يَشَآءُ﴾ إنما هو لأن كل أحد ليس بأهل للتزكية كالمنافقين وأهل الرين والرعونة.
ومنها : الإشارة إلى مغفرة من خاض في حديث الإفك من أهل بدر كمسطح ويدل عليها الاعتناء بشأنه في الآية الآتية وقد ثبت أن الله اطلع على أهل بدر يعني نظر إليهم بنظر الرحمة والمغفرة فقال :(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) والمراد به اظهار العناية بهم واعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحبوب اصنع ما شئت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
وفي "المقاصد الحسنة" : كأنك من أهل بدر هو كلام يقال لمن يتسامح أو يتساهل والله المسؤول في قبول التوبة عن كل حوبة
﴿وَلا يَأْتَلِ﴾ من الائتلاء وهو القسم.
وبالفارسية :(سوكند خوردن) كما في "تاج المصادر" من الألية بمعنى اليمين أي لا يخلف نزل في شأن الصديق رضي الله عنه حين حلف أن يقطع نفقته عن مسطح ابن خالته لخوضه في عائشة رضي الله عنها وكان فقيراً بدرياً مهاجراً ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه.
﴿أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ﴾ ذوو الفضل في الدين والفضل الزيادة.
﴿وَالسَّعَةِ﴾ في المال ﴿أَن يُؤْتُوا﴾ أي على أن لا يؤتوا شيئاً ولا يحسنوا بإسقاط الخافض وهو كثير شائع.
﴿أُوْلِى الْقُرْبَى﴾ ذوي القرابة ﴿وَالْمَسَـاكِينَ وَالْمُهَـاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ صفات لموصوف واحد أي ناساً جامعين لها لأن الكلام فيمن كان كذلك لأن مسطحاً قريب ومسكين ومهاجر جيء بها بطريق العطف تنبيهاً على أن كلاً منها علة مستقلة لاستحقاق الإيتاء ﴿وَلْيَعْفُوا﴾ عن ذنبهم ﴿وَلْيَصْفَحُوا﴾ أي ليعرضوا عن لومهم.
قال الراغب الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ﴿أَلا تُحِبُّونَ﴾ (آيا دوست نمى داريد) ﴿أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أي : بمقابلة عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ مبالغ في المغفرة والرحمة مع كمال قدرته على المؤاخذة وكثرة ذنوب العباد الداعية إليها.
وفيه ترغيب عظيم في العفو ووعد كريم بمقابلته كأنه قيل : ألا تحبون أن يغفر الله لكم فهذا من موجباته.
روي : أنه عليه السلام قرأ هذه الآية على أبي بكر رضي الله عنه فقال : بلى أحب أن يغفر الله لي فرد إلى مسطح نفقته وكفر عن يمينه وقال : والله لا أنزعها أبداً.
وفي "معجم الطبراني الكبير" أنه أضعف له النفقة التي كان يعطيه إياها قبل القذف أي أعطاه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك.
١٣٢
وفي الآية دليل على أن من حلف على أمر فرأى الحنث أفضل منه فله أن يحنث ويكفر عن يمينه ويكون له ثلاثة أجور أحدها ائتماره بأمر الله تعالى والثاني أجر بره وذلك في صلة قرابته والثالث أجر التكفير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
ثم في الآية فوائد :
منها : أن العلماء استدلوا بها على فضل الصديق رضي الله عنه وشرفه من حيث نهاه مغايبة ونص على فضله وذكره بلفظ الجمع للتعظيم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم لا يفعلوا كيت وكيت والمنكرون يحملون الفضل على فضل المال لكن لا يخفى أن يستفاد من قوله :﴿وَالسَّعَةِ﴾ فيلزم التكرير فثبت كونه أفضل الخلق بعد رسول الله عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon