قال في "إنسان العيون" : وصف الله تعالى الصديق بأولي الفضل موافق لوصفه عليه السلام بذلك فقد جاء أن علياً كرم الله وجهه دخل على النبي صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر رضي الله عنه جالس عن يمين رسول الله فتنحى أبو بكر عن مكانه وأجلس علياً بينه وبين النبي عليه السلام فتهلل وجه النبي فرحاً وسروراً وقال :"لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل" : قال الحكيم سنابي :
بود ندان كرامت وفضلش
كه أولوا الفضل خواند ذو الفضلش
صورت وسيرتش همه جان بود
زان زشم عوان نهان بود
روزوشب سال وماه درهمه كار
ثاني اثنين اذهما في الغار
ومنها : أنها كفت داعيه إلى المجاملة والإعراض عن مكافاة المسيء وترك الاشتغال بها وعن أنس رضي الله عنه : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالس إذ ضحك حتى بدت نواجذه فقال عمر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي ما الذي أضحكك؟ قال :"رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : خذ لي مظلمتي من هذا فقال الله تعالى : رد على أخيك مظلمته فقال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء فقال : يا رب فليحمل عني من أوزاري" ثم فاضت عينا رسول الله بالبكاء فقال :"إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل عنهم أوزارهم" فقال :"فيقول الله تعالى للمتكلم : ارفع بصرك فانظر في الجنان فقال يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق أو لأي شهيد قال الله تعالى : لمن أعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال الله تعالى : أنت تملكه قال : بماذا يا رب؟ قال الله تعالى : بعفوك عن أخيك قال : يا رب قد عفوت عنه قال الله تعالى : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة".
من كان يرجو عفو من فوقه
فليعف عن ذنب الذي دونه
در عفو لذتيست ه در انتقام نيست
ومنها : بيان تأديب الله للشيوخ والأكابر أن لا يهجروا صاحب الزلات وأهل العثرات من المريدين ويتخلقوا بخلق الله حيث يغفر الذنوب ولا يبالي وأعلمهم أن لا يكفوا إعطاءهم عنهم ويخبروهم ما وقع لهم من أحكام الغيب فإن من له استعداد لا يحتجب بالعوارض البشرية عن أحكام الطريقة أبداً والله المعين على كل حال وبيده العفو عن سيئات الأعمال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ قد سبق معنى الرمي في أوائل السورة.
﴿الْمُحْصَنَـاتِ﴾ العفائف مما رمين من الفاحشة والزنى ﴿الْغَـافِلَـاتِ﴾ (بيخبران) عنها على الإطلاق بحيث لم يخطر ببالهن شيء منها ولا من
١٣٣
مقدماتها أصلاً ففيها من الدلالة على كمال النزاهة ما ليس في المحصنات.
قال في "التعريفات" : الغفلة عن الشيء هي أن لا يخطر ذلك بباله ﴿الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ أي : المتصفات بالإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به من الواجبات والمحظورات وغيرها إيماناً حقيقياً تفصيلياً كما ينبىء عنه تأخير المؤمنات عما قبلها مع أصالة وصف الإيمان والمراد بها عائشة الصديقة رضي الله عنها والجمع باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات المؤمنين لاشتراك الكل في العصمة والنزاهة والانتساب إلى رسول الله عليه السلام كما في قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الشعراء : ١٠٥) ونظائره ﴿لُعِنُوا﴾ بما قالوا في حقهن وهتكوا حرمتهن ﴿فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ﴾ حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبداً.
وبالفارسية (دور كرده شدند در دنيا از نام نيكو در آخرت از رحمت يعني درين عالم مردود وملعونند ودران سراى مبغوض ومطرود) وأصل اللعنة الطرد والإبعاد على سبيل السخط وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع عن قبول فيضه وتوفيقه ومن الإنسان دعاء على غيره.
﴿وَلَهُمْ﴾ مع ما ذكر من اللعن الأبدي ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لعظم ذنوبهم.
قال مقاتل : هذا خاص في عبد الله بن أبيّ المنافق وإليه الإشارة بقول حضرة الشيخ نجم الدين في "تأويلاته" ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ إلخ أي إن الذين لم يكونوا من أهل بدر من أصحاب الإفك اهـ.
ليخرج مسطح ونحوه كما سبقت الإشارة إلى مغفرته.
وقال بعضهم : الصحيح أنه حكم كل قاذف ما لم يتب لقوله عليه السلام :"اجتنبوا الموبقات السبع الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المؤمنات الغافلات" وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من قذف أزواج النبي عليه السلام فلا توبة له ومن قذف مؤمنة سواهن قد جعل الله له توبة ثم قرأ :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ إلى قوله :﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا﴾ الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon