يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} روي : عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال : جاءت امرأة إلى رسول الله عليه السلام فقالت : يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد فيأتي الآتي فيدخل فكيف أصنع؟ قال :"ارجعي" فنزلت هذه الآية ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ (يعني بهي خانة بيكانه درماييد) وصف البيوت بمغايرة بيوتهم خارج مخرج العادة التي هي سكنى كل أحد في ملكه وإلا فالآجر والمعير أيضاً منهيان عن الدخول بغير إذن يقال آجره أكراه والأجرة الكراء وأعاره دفعه عارية.
﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ أي تستأذنوا ممن يملك الإذن من أصحابها.
وبالفارسية (تا وقتي كه خبر كيريد ودستوري طلبيد).
من الاستئناس بمعنى الاستعلام من آنس الشيء إذا ابصره مكشوفاً فعلم به فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف أنه هل يؤذن له أو لا ومن الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش لما أن المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له فإذا أذن له استأنس ولهذا يقال في جواب القادم المستأذن مرحباً أهلاً وسهلاً أي وجدت مكاناً واسعاً وأتيت أهلاً لا أجانب ونزلت مكاناً سهلاً لا حزناً ليزول به استيحاشه وتطيب نفسه فيؤول المعنى إلى أن يؤذن لكم وهو من باب الكناية حيث ذكر الاستئناس اللازم وأريد الإذن الملزوم.
وعن النبي عليه السلام في معنى الاستئناس حين سئل عنه فقال :"هو أن يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة ويتنحنح يؤذن أهل البيت".
قال في "نصاب الاحتساب" : امرأة دخلت في بيت غير بغير إذن صاحبه هل يحتسب عليها؟ فالجواب : إذا كانت المرأة ذات محرم منه حل لامرأته الدخول في منازل محارم زوجها بغير إذنهم وهذا غريب يجتهد في حفظه ذكره في سرقة "المحيط" ولهذا لو سرقت من بيت محارم زوجها لا قطع عليها عند أبي حنيفة رحمه الله وما في غير ذلك يحتسب عليها كما يحتسب على الرجل لقوله تعالى :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ أي تستأذنوا انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٧
فالدخول بالإذن من الآداب الجميلة والأفعال المرضية المستتبعة لسعادة الدارين ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ عند الاستئذان بأن يقول : السلام عليكم أدخل ثلاث مرات فإن أذن له دخل وسلم ثانياً وإلا رجع.
﴿ذَالِكُمْ﴾ الاستئذان مع التسليم ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من أن تدخلوا بغتة ولو على الأم فإنها تحتمل أن تكون عريانة.
وفيه إرشاد إلى ترك تحية أهل الجاهلية حين الدخول فإن الرجل منهم كان إذا دخل بيتاً غريباً صباحاً.
قال :"حييتم صباحاً"
١٣٧
وإذا دخل مساء.
قال :"حييتم مساء" قال الكاشفي :(وكفته اند كسي كه برعيال خود درمي آيد بايدكه بكلمة يا بآ وازيا بتنحنحى اعلام كند تا أهل آن خانه بستر عورات ودفع مكروهات اقدام نمايند) ﴿لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ متعلق بمضمر أي أمرتم به كي تذكروا وتتعظوا وتعلموا بموجبه.
اعلم أن السلام من سنة المسلمين وهو تحية أهل الجنة ومجلبة للمودة وناف للحقد والضغينة روي : عنه عليه السلام قال :"لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال : الحمدفقال الله تعالى يرحمك ربك يا آدم اذهب إلى هؤلاء الملائكة وملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم فلما فعل ذلك رجع إلى ربّه قال : هذه تحيتك وتحية ذريتك" وروي عنه عليه السلام قال :"حق المسلم على المسلم ست يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه وينصح له بالغيب ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويشهد جنازته إذا مات" ثم إنه إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق أو قتل نفس بغير حق أو ظهور منكر يجب إزالته فحينئذ لا يجب الاستئذان والتسليم فإن كل ذلك مستثنى بالدليل وهو ما قاله الفقهاء من أن مواقع الضرورات مستثناة من قواعد الشرع لأن الضرورات تبيح المحظورات.
قال صاحب "الكشاف" : وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل بها وباب الاستئذان من ذلك انتهى.
وفي الآية الكريمة إشارة إلى ترك الدخول والسكون في البيوت المجازية الفانية من الأجساد وترك الاطمئنان بها بل لا بد من سلام الوداع للخلاص فإذا ترك العبد الركون إلى الدنيا الفانية وشهواتها وأعرض عن البيوت التي ليست بدار قرار فقد رجع إلى الوطن الحقيقي الذي حبه من الإيمان.
اكر خواهي وطن بيرون قدوم نه
﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ﴾ أي في تلك البيوت ﴿أَحَدًا﴾ أي ممن يملك الإذن على أن من لا يملكه من النساء والولدان وجدانه كفقدانه أو لم تجدوا أحداً أصلاً ﴿فَلا تَدْخُلُوهَا﴾ فاصبروا ﴿حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ أي من جهة من يملك الإذن عند إتيانه فإن في دخول بيت فيه النساء والولدان اطلاعاً على العورات وفي دخول البيوت الخالية اطلاعاً على ما يعتاد الناس إخفاءه مع أن التصرف في ملك الغير محظور مطلقاً.
يعني (دخول درخانة خالي بي إذن كسى محل تهمت سرقه است).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٧


الصفحة التالية
Icon