يقول الفقير : قد ابتليت بهذا مرة غفلة عن حكم الآية الكريمة فأطال عليّ وعلى رفقائي بعض من خارج البيت لكوننا مجهولين عندهم فوجدت الأمر حقاً ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا﴾ انصرفوا.
﴿فَارْجِعُوا﴾ ولا تقفوا على أبواب الناس، أي أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أم لا فارجعوا ولا تلحوا بتكرير الاستئذان كما في الوجه الأول أو لا تلحوا بالإصرار على الانتظار على الأبواب إلى أن يأتي الإذن كما في الثاني فإن ذلك مما يجلب الكراهة في قلوب الناس ويقدح في المروءة أي قدح.
﴿هُوَ﴾ أي : الرجوع ﴿أَزْكَى لَكُمْ﴾ أي : أطهر مما لا يخلو عنه اللج والعناد والوقوف على الأبواب من دنس الدناءة والرزالة.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه فيجازيكم عليه.
وفي "التأويلات النجمية" :
١٣٨
﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَدًا﴾ يشير إلى فناء صاحب البيت وهو وجود الإنسانية ﴿فَلا تَدْخُلُوهَا﴾ بتصرف الطبيعة الموجبة للوجود ﴿حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ بأمر من الله بالتصرف فيها للاستقامة كما أمر.
﴿وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا﴾ أي إلى ربكم ﴿فَارْجِعُوا﴾ ولا تتصرفوا فيها تصرف المطمئنين بها.
﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾ لئلا تقعوا في فتنة من الفتن الإنسانية وتكونوا مع الله بالله بلا أنتم.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الرجوع إلى الله وترك تعلقات البيوت الجسدانية ﴿عَلِيمٌ﴾ خير لكم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٧
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾.
قال في "المفردات" جنحت السفينة أي مالت إلى أحد جانبيها سمى الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحاً ثم سمى كل إثم جناحاً.
﴿أَن تَدْخُلُوا﴾ أي : بغير استئذان ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ أي غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة فقط بل لينتفع بها من يضطر إليها كائناً من كان من غير أن يتخذها سكناً كالربط والخانات والحوانيت والحمامات ونحوها فإنها معدة لمصالح الناس كافة كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿فِيهَا مَتَـاعٌ لَّكُمْ﴾ فإنه صفة للبيوت أي حق تمتع لكم وانتفاع كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والرحال والشراء والبيع والاغتسال وغير ذلك مما يليق بحال البيوت وداخلها فلا بأس بدخولها بغير استئذان من قوام الرباطات والخانات وأصحاب الحوانيت ومتصرفي الحمامات ونحوهم.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ تظهرون ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ تستترون وعيد لمن يدخل مدخلاً من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
قال في "نصاب الاحتساب" : رجل له شجرة فرصاد قد باع أغصانها فإذا ارتقاها المشتري يطلع على عورات الجار قال : يرفع الجار إلى القاضي حتى يمنعه من ذلك.
قال الصدر الشهيد في "واقعات المختار" أن المشتري يخبرهم وقت الارتقاء مرة أو مرتين حتى يستروا أنفسهم لأن هذا جمع بين الحقين وإن لم يفعل إلى أن يرفع الجار إلى القاضي فإن رأى القاضي المنع كان له ذلك.
ولو فتح كوّة في جداره حتى وقع نظره فيها إلى نساء جاره يمنع من ذلك.
وفي "البستان" : لا يجوز لأحد أن ينظر في بيت غيره بغير إذنه فإن فعل فقد أساء وأثم في فعله فإن نظر ففقأ صاحب البيت عينه اختلفوا فيه قيل : لا شيء عليه وقيل : عليه الضمان وبه نأخذ.
وكان عمر رضي الله عنه يعس ليلة مع ابن مسعود رضي الله عنه فاطلع من خلل باب فإذا شيخ بين يديه شراب وقينة تغنيه فتسورا فقال عمر رضي الله عنه : ما صح لشيخ مثلك أن يكون على مثل هذه الحالة فقام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين أنشدك بالله إلا ما أنصفتني حتى أتكلم قال : قل قال : إن كنت عصيت الله في واحدة فقد عصيت أنت في ثلاث قال : ما هن؟ قال : تجسست وقد نهاك الله فقال :﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ (الحجرات : ١٢) وتسورت وقد قال الله :﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾ (البقرة : ١٨٩) إلى ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ (البقرة : ١٨٩) ودخلت بغير إذن وقد قال الله :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ فقال عمر : صدقت فهل أنت غافر لي فقال : غفر الله لك فخرج عمر يبكي ويقول : ويل لعمر إن لم يغفر الله له.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٩
فإن قلت : دل هذا على أن المحتسب لا يدخل بيتاً بلا إذن وقد صح أنه يجوز له الدخول في بيت من يظهر البدع بلا إذن.
قلت : هذا فيما أظهر وذلك فيما أخفى.
وفي "التأويلات النجمية" : في الآية إشارة إلى جواز تصرف السالك الواصل في بيت الجسد الذي هو غير مسكون لصاحبه وهو الإنسانية لفنائها عن وجودها بإفناء الحق تعالى فيها متاع لكم أي الآلات والأدوات التي تحتاجون إليها عند السير في عالم الله ولتحصيلها بعثت الأرواح
١٣٩


الصفحة التالية
Icon