﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ﴾ جمع دعى فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعى ولداً ويتخذ ابناً أي : المتبنى بتقديم الباء الموحدة على النون، وبالفارسية :(كسى را به سر كرفتن) وقياسه أن يجمع على فعلى كجرحى بأن يقال دعيا فإن أفعلاء مختص بفعيل بمعنى فاعل مثل تقي وأتقياء كأنه شبه فعيل بمعنى مفعول في اللفظ بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه ﴿أَبْنَآءَكُمْ﴾ حقيقة في حكم الميراث والمحرمة والنسب أي : ما جعل الله الدعوة والبنوة في رجل لأن الدعوة عرض والبنوة أصل في النسب ولا يجتمعان في الشيء الواحد وهذا أيضاً رد ما كانوا يزعمون من أن دعى الرجل ابنه فيجعلون له من الميراث مثل نصيب الذكر من أولادهم ويحرمون نكاح زوجته إذا طلقها ومات عنها ويجوز أن يكون نفي القلبين لتمهيد أصل يحمل عليه نفي الأمومة عن المظاهر منها والبنوة عن المتبني.
والمعنى : كما لم يجعل الله قلبين في جوف واحد لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلاً لكل القوى وغير أصل كذلك لم يجعل الزوجة أمّاً والدعيّ ابنا لأحد يعني كون المظاهر منها أمّاً وكون الدعيّ ابناً أي : بمنزلة الأم والابن في الآثار والأحكام المعهودة بينهم في الاستحالة بمنزلة اجتماع قلبين في جوف واحد.
وفيه إشارة إلى أن في القرابة النسبية خواص لا توجد في القرابة السببية فلا سبيل لأحد أن يضع في الأزواج بالظهار ما وضع الله في الأمهات ولا أن يضع في الأجانب بالتبني ما وضع الله في الأبناء فإن الولد سر أبيه فما لم يجعل الله فليس في مقدور أحد أن يجعله ﴿ذالِكُمْ﴾ (اين مظاهره را مطلقه ودعى را ابن خواندن) أو هو إشارة إلى الأخير فقط لأنه المقصود من سياق الكلام أي : دعاؤكم الدعي بقولكم هذا ابني.
﴿قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ فقط لا حقيقة له في الأعيان كقول الهازل فإذا هو بمعزل عن أحكام البنوة كما زعمتم والأفواه جمع فم واصل فم فوه بالفتح مثل ثوب وأثواب
١٣٥
وهو مذهب سيبويه والبصريين وفوه بالضم مثل سوق وأسواق وهو مذهب الفراء حذفت الهاء حذفاً غير قياسي لخفائها ثم الواو لاعتلالها ثم أبدلت الواو المحذوفة ميماً لتجانسهما لأنهما من حروف الشفة فصار فم.
قال الراغب وكل موضع علق الله فيه حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب وتنبيه على أن الاعتقاد لا يطابقه ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ أي : الكلام المطابق للواقع لأن الحق لا يصدر إلا من الحق وهو أن غير الابن لا يكون ابناً ﴿وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ﴾ أي : سبيل الحق لا غيره فدعوا أقوالكم وخذوا بقوله هذا.
والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك وما فيه سهولة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١