وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ فيما سمي كل شيء بازاء معناه ﴿وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ﴾ إلى اسم كل شيء مناسب لمعناه كما هدى آدم عليه السلام بتعليم الأسماء كلها وخصصه بهذا العلم دون الملائكة المقربين.
قال بعض الكبار : اعلم أن آداب الشريعة كلها ترجع إلى ما نذكره وهو أن لا يتعدى العبد في الحكم موضعه في جوهر كان أو في عرض أو في زمان أو مكان أو في وضع أو في إضافة أو في حال أو في مقدار أو عدد أو في مؤثر أو في مؤثر فيه.
فأما أولاها في الجوهر فهو أن يعلم العبد حكم الشرع في ذلك فيجربه فيه بحسنه.
وأما أدب العبد في الأعراض فهو ما يتعلق بأفعال المكلفين من وجوب وحظر وإباحة ومكروه وندب.
وأما أدبه في الزمان فلا يتعلق إلا بأوقات العبادات المرتبطة بالأوقات فكل وقت له حكم في المكلف ومنه ما يضيق وقته ومنه ما يتسع.
وأما أدبه في المكان كمواضع العبادات مثل بيوت الله فيرفعها عن البيوت المنسوبة إلى الخلق ويذكر فيها اسمه.
وأما أدبه في الوضع فلا يسمى الشيء بغير اسمه ليغير عليه حكم الشرع بتغيير اسمه فيحلل ما كان محرماً ويحرم ما كان محللاً كما في حديث "سيأتي على أمتي زمان يظهر فيه أقوام يسمون الخمر بغير اسمها" أي : فتحاً لباب استحلالها بالاسم وقد تفطن لما ذكره الإمام مالك رحمه الله فسئل عن خنزير البحر فقال : هو حرام فقيل له إنه من جملة سمك البحر فقال : أنتم سميتوه خنزيراً فانسحب عليه حكم التحريم لأجل الاسم كما سموا الخمر نبيذاً أو ابريزاً فاستحلوها بالاسم وقالوا إنما حرم علينا ما كان اسمه خمراً.
وأما أدب الإضافة فهو مثل قول الخضر عليه السلام :﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ (الكهف : ٧٩) وقوله :﴿فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ (الكهف : ٨١) وذلك للاشتراك بين ما يحمد ويذم وقال :﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ﴾ (الكهف : ٨٢) لتخليص المحمدة فيه فإن الشيء الواحد يكتسب ذماً بالنسبة إلى جهة ويكتسب حمداً بالإضافة إلى جهة أخرى وهو هو يعينه وإنما بغير الحكم بالنسبة.
وأما أدب الأحوال كحال السفر في الطاعة وحال السفر في المعصية فيختلف الحكم بالحال.
وأما الأدب في الأعداد فهو أن لا يزيد في أفعال الطهارة على أعضاء الوضوء ولا ينقص وكذلك القول في أعداد الصلوات والزكوات ونحوها وكذلك لا يزيد في الغسل عن صاع والوضوء عن مد.
وأما أدبه في المؤثر فهو أن يضيف القتل أو الغصب مثلاً إلى فاعله ويقيم عليه الحدود.
وأما أدبه في المؤثر فيه كالمقتول قوداً فينظر هل قتل بصفة ما قتل به أو بأمر آخر وكالمغصوب إذا وجد بغير يد الذي باشر الغصب فهذه أقسام آداب الشريعة كلها فمن عرفها وأجراها كان من المهتدين إلى السبيل الحق والمحفوظين عن الضلال المطلق فاعرف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّـاـِاى تُظَـاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَآءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِه وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾.
﴿ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ﴾ يقال فلان يدعى لفلان أي : ينسب إليه ووقع اللام
١٣٦
ههنا للاستحقاق.
قال بعضهم :(اين آيت براى زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي بود) سبى صغيراً وكانت العرب في جاهليتها يغير بعضهم على بعض ويسبي فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهبته له وطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأعتقه ورباه كالأولاد وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب وكان يدعى زيد بن محمد وكذا يدعى المقداد بن عمرو البهراني المقداد بن الأسود وسالم مولى أبي حذيفة سالم بن أبي حذيفة وغير هؤلاء ممن تبنى وانتسب لغير أبيه (ودر صحيح بخاري از ابن عمر منقولست كه نمى كفتيم إلا زيد بن محمد تا اين آيت آمد وما اورا زيد بن حارثة كفتيم) فالمعنى انسبوا الأدعياء إلى الذين ولدوهم فقولوا : زيد بن حارثة وكذا غيره، وبالفارسية :(مردانرا به دران باز خوانيد) ﴿هُوَ﴾ أي : الدعاء لآبائهم فالضمير لمصدر ادعوا كما في قوله :﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة : ٨) اقسط عند الله القسط بالكسر العدل وبالفتح هو أن يأخذ قسط غيره وذلك غير إنصاف ولذلك قيل قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١