ـ روي ـ أنه عليه السلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نشاور آباءنا وأمهاتنا فنزلت، والمعنى النبي عليه السلام أحرى وأجدر بالمؤمنين من أنفسهم في كل أمر من أمور الدين والدنيا كما يشهد به الإطلاق على معنى أنه لو دعاهم إلى شيء ودعتهم نفوسهم إلى شيء آخر كان النبي أولى بالإجابة إلى ما يدعوهم إليه من إجابة ما تدعوهم إليه نفوسهم لأن النبي لا يدعوهم إلا إلى ما فيه نجاتهم وفوزهم وأما نفوسهم فربما تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم وبوارهم كما قال تعالى حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام ﴿إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةُا بِالسُّواءِ﴾ (يوسف : ٥٣) فيجب أن يكون عليه السلام أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وآثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه في الخطوب والحروب ويتبعوه في كل ما دعاهم إليه، يعني :(بايدكه فرمان اورا ازهمه فرمانها لاز مترشناسند) وفي الحديث :"مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب" جمع جندب
١٣٨
بضم الجيم وفتح الدال وضمها نوع من الجراد.
والفراش جمع فراشة بفتح الفاء وهي دويبة تطير وتقع في النار، وبالفارسية :(روانه) "يقعن فيها وهو يذب عنها" أي : يدفع عن النار من الوقوع فيها "وأنا آخذ بحجزكم" بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجزة وهي معقد الإزار وحجزة السراويل موضع التكة "عن النار" أي : ادفع عن نار جهنم "وأنتم تفلتون" بتشديد اللام أي : تخلصون "من يدي" وتطلبون الوقوع في النار بترك ما أمرته وارتكاب ما نهيته وفي الحديث :"ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة" أي : في الشفقة "من أنفسهم ومن آبائهم" وفي الحديث :"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".
قال سهل قدس سره : من لم ير نفسه في ملك الرسول ولم ير ولايته عليه في جميع أحواله لم يذق حلاوة سننه بحال.
دردو عالم غيب وظاهر اوست دوست
دوستى ديكران بربوى اوست
دوستى اصل بايد كرد وبس
فرع را بهر ه دارد دوست كس
اصل دارى فرع كوهر كزمباش
تن بمان وجان بكيراى خواجه تاش
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
قال في "الأسئلة المقحمة" : والآية تشير إلى أن اتباع الكتاب والسنة أولى من متابعة الآراء والأقيسة حسبما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ﴿وَأَزْوَاجُهُ﴾ (وزنان او) ﴿أُمَّهَـاتِهِمْ﴾ أي : منزلات منازلهن في وجوب التعظيم والاحترام وتحريم النكاح كما قال تعالى :﴿وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَه مِنا بَعْدِه أَبَدًا﴾ (الأحزاب : ٥٣) وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن والمسافرة معهن والميراث فهن كالأجنبيات فلا يحل رؤيتهن كما قال تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ} (الأحزاب : ٥٣) ولا الخلوة والمسافرة ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن.
وعن أبي حنيفة رحمه الله كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرماً فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى وقد سبق وجهه في سورة النور في قصة الإفك فبان أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن فقط ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : لسنا أمهات النساء أي : بل أمهات الرجال وضعف ما قال بعض المفسرين من أنهن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعاً ولما ثبت التحريم خصوصاً لم يتعد عشيرتهن فلا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاته ولهذا قال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين ثم إن حرمة نكاحهن من احترام النبي عليه السلام واحترامه واجب وكذا احترام ورثته الكمل وكذا قال بعض الكبار : لا ينكح المريد امرأة شيخه إن طلقها أو مات عنها وقس عليه حال كل معلم مع تلميذه وهذا لأنه ليس في هذا النكاح يمن أصلاً لا في الدنيا ولا في الآخرة وإن كان رخصة في الفتوى ولكن التقوى فوق أمر الفتوى فاعرف هذا.
ورد مصحف أبيّ وقرأة ابن مسعود رضي الله عنهما (نين بوده "وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم" مراد شقت تمام ورحمت لا كلام است).
وقال بعضهم أي : النبي عليه السلام أب لهم في الدين لأن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوة.
قال الإمام الراغب :
١٣٩
الأب الوالد ويسمى كل من كان سبباً إلى إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا ولذلك سمي النبي عليه السلام أباً للمؤمنين قال الله تعالى :﴿النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ﴾ وفي بعض القراآت وهو "أب لهم".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon