قال الجنيد قدس سره في الآية : ليسأل الصادقين عن صدقهم أي : عنده لا عندهم انتهى وهذا الذي فسره معنى لطيف فإن الصدق والإسلام عندالخلق سهل ولكن عند الحق صلب فنسأل الله أن يجعل صدقنا وإسلامنا حقيقياً ﴿وَأَعَدَّ﴾ (واماده كرد وساخت) ﴿لِلْكَـافِرِينَ﴾ المكذبين للرسل ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (عذابي دردناك ودردنماى) وهو عطف على ما ذكر من المضمر وعلى ما دل عليه ليسأل الخ كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَـاقَهُمْ﴾ في الأزل وهم في كتم العدم مختفون ﴿وَمِنكَ﴾ يا محمد أولا بالحبيبية ﴿وَمِن نُّوحٍ﴾ بالدعوة من ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ بالخلة من ﴿مُوسَى﴾ بالمكالمة من ﴿وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ بالعبدية ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا﴾ بالوفاء وبغلظة الميثاق يشير إلى أنا غلظنا ميثاقهم بالتأييد والتوفيق للوفاء به ﴿لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ﴾ في العهد والوفاء به ﴿عَن صِدْقِهِمْ﴾
١٤٢
لما صدقوا إظهاراً لصدقهم كما أثنى عليهم بقوله :﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب : ٢٣) فكان سؤال تشريف لا سؤال تعنيف وسؤال إيجاب لا سؤال عتاب.
والصدق أن لا يكون في أحوالك شوب ولا في أعمالك عيب ولا في اعتقادك ريب.
ومن إمارات الصدق في المعاملة وجود الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق.
وفي الأحوال تصفيتها من غير مداخلة إعجاب.
وفي القول السلامة من المعاريض.
وفيما بينك وبين الناس التباعد من التلبيس والتدليس.
وفيما بينك وبين الله إدامة التبري من الحول والقوة بل الخروج عن الوجود المجازي شوقاً إلى الوجود الحقيقي وأعد للكافرين على هذه المقامات المعرضين عن هذه الكرامات عذاباً أليماً من الحسرات والغرامات انتهى.
قال البقلي : إن الله تعالى أراد بذلك السؤال أن يعرّف الخلق شرف منازل الصادقين فرب قلب يذوب من الحسرة حيث ما عرفهم وما عرف قدرهم قال تعالى :﴿ذَالِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ (التغابن : ٩) وصدقهم استقامة أسرارهم مع الحق في مقام المحبة والإخلاص.
قال سهل : يقول الله لهم : لمن عملتم وماذا أردتم فيقولون : لك عملنا وإياك أردنا فيقول صدقتم فوعزته لقوله لهم في المشاهدة صدقتم ألذ عندهم من نعيم الجنة :
لذت شيرينىء كفتار جانان لذتيست
كز دماغ جان كى بيرون شود رحالتست
قال في "كشف الأسرار" :(مصطفى را عليه السلام رسيدند كه كمال دريست جواب داد كه كفتار بحق وكردار بصدق.
وكفته اند صدق را دو درجه است يكى ظاهر ويكى باطن أما ظاهرسه يزاست دردين صلابت ودرخدمت سنت ودرمعاملت خشيت.
وآنه باطنست سه يزاست إنه كويى كنى وبآنه نمايى دارى وآنه كه دارى دهى واشى).
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : اسوداد الوجوه من الحق المكروه كالغيبة والنميمة وإفشاء السر فهو مذموم وإن كان صدقاً فلذلك قال تعالى :﴿لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾ أي : هل أذن لهم في إفشائه أولا فما كل صدق حق انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَـافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾.
﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾.
ـ روي ـ أن النبي عليه السلام لما قدم المدينة صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكونوا عليه بل معه فنقض بنوا النضير وهم حي من يهود خيبر عهودهم وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية يقال لها زهرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحاجة ومعه الخلفاء فجلس إلى جانب جدار من بيوتهم فطمعوا فيه حتى صعد بعضهم على البيت ليلقي عليه صخرة فيقتله فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام مسرعاً إلى المدينة ولما نقضوا العهد أرسل إليهم رسول الله محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن اخرجوا من بلدي يعني : المدينة لأن قريتهم كانت من أعمالها فامتنعوا من الخروج بسبب عناد سيدهم حيي بن أخطب وكان حيى في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش فخرج عليه السلام مع أصحابه لمحاربتهم فحاصرهم ست ليال وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم فمنهم من سار إلى خيبر ومنهم من سار إلى أذرعات من بلاد الشام ولما وقع إجلاؤهم من أماكنهم سار سيدهم حيى وجمع من كبرائهم إلى قريش في مكة يحرّضونهم على حرب رسول الله ويقولون : إنا سنكون معكم جملة واحدة ونستأصله فوافقهم قريش لشدة عداوتهم لرسول الله ثم جاءوا
١٤٣


الصفحة التالية
Icon