دعاء عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا فتكون النار استعارة للفتنة ومن اشتعال النار في قبورهم وقام عليه السلام في الناس فقال :"أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإن لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" أي : السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله ثم دعا عليه السلام على الأحزاب فقال :"اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم" ودعا أيضاً بقوله :"اللهم يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فإنك ترى ما نزل بي وبأصحابي" وقال له المسلمون : هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الخناجر قال :"نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" فاستجاب الله دعاءه يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فأتاه جبريل فبشره أن الله يرسل عليهم ريحاً وجنوداً وأعلم عليه السلام أصحابه بذلك وصار يرفع يديه قائلاً شكراً شكراً وذلك قوله تعالى :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ذكر النعمة شكرها أي : اشكروا أنعام الله عليكم بالنصرة ﴿إِذْ﴾ ظرف للنعمة.
والمعنى بالفارسية (آنكاه كه) ﴿جَآءَتْكُمُ﴾ (آمد بشما) ﴿جُنُودُ﴾ لشكرها والمراد الأحزاب المذكورة من قريش وغطفان ونحوهما يقال للعسكر الجند اعتباراً بالغلظ من الجند وهي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكل مجتمع جند نحو الأرواح جنود مجندة ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ من جانب الاسم القهار ليلاً عطف على جاءتكم ﴿رِيحًا﴾ أي : ريح الصبا وهي تهب من جانب المشرق والدبور من قبل المغرب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما قالت الصبا للدبور أي : الريح الغربية اذهبي بنا ننصر رسول الله فقالت : إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيماً وفي الحديث :"نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" ﴿وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة وكانوا ألفاً.
ـ روي ـ أن الله تعالى بعث على المشركين ريحاً صبا باردة في ليلة ذات شتاء ولم تجاوز عسكرهم فأحصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأمرت الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور ونفثت في روعهم الرعب وكبرت في جوانب معسكرهم حتى سمعوا التكبير وقعقعة السلاح واضطربت الخيول ونفرت فصار سيد كل حي يقول لقومه يا بني فلان هلموا إليّ فإذا اجتمعوا قال النجاء النجاء أي : الإسراع الإسراع وحملوا ما وقع على السحر فانهزموا من غير قتال وارتحلوا ليلاً وتركوا ما استثقلوه من متاعهم ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من حفر الخندق وترتيب الأسباب ﴿بَصِيرًا﴾ رائياً ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم وعصمتكم من شرهم فلا بدَّ لكم من الشكر على هذه النعمة الجليلة باللسان والجنان والأركان (شكر زبان آنست كه يوسته خدايرا يادميكند وزبان خود بذكرتر ميدارد وون نعمتى تازه شود الحمدميكويد.
شكردل آنست كه همه خلق را خير خواهد ودرنعمت هي كس حسد نبرد.
وشكرتن آنست كه اعضاى خود در ما خلق له استعمال كند وهمه اعضارا حق تعالى براى آخرت آفريد).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
عطايست هر موى ازو برتنم
كونه بهرموى شكرى كنم
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى نعمه الظاهرة والباطنة :
أولها : نعمة الإيجاد من كتم العدم.
١٤٦
وثانيها : إذا أخرجكم من العدم جعلكم ارواحاً مطهرة إنسانية في أحسن تقويم لا حيواناً أو نباتاً أو جماداً.
وثالثها : يوم الميثاق شرفكم بخطاب ألست بربكم ثم وفقكم لاستماع خطابه ثم دلكم على إصابة جوابه.
ورابعها : أنعم عليكم بالنفخة الخاصة عند بعثكم إلى القالب الإنساني لئلا تتنزلوا بمنزل من المنازل السماوية والكوكبية والجنية والشيطانية والنارية والهوائية والمائية والأرضية والنباتية والحيوانية وغيرها إلى أن أنزلكم في مقام الإنسانية.
وخامسها : عجن طينة قالبكم بيده أربعين صباحاً ثم صوركم في الأرحاكم وسواكم ثم نفخ فيكم من روحه.
وسادسها : شرف روحكم بتشريف إضافته إلى نفسه بقوله "من روحي" وما أعطى هذا التشريف لروح من أرواح الملائكة المقربين.
وسابعها : أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً فبالهامات الربانية علمكم ما تحتاجون إليه من أسباب المعاش.
وثامنها : الهمكم فجوركم وتقواكم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد للرجوع إلى الميعاد.
وتاسعها : أرسل إليكم الأنبياء والرسل ليخرجوكم من الظلمات الخلقية إلى نور الخالقية.


الصفحة التالية
Icon