فضلاً عن التعلل باختلال البيوت عند سلامتها كما فعلوا الآن وما ذلك إلا لمقتهم الإسلام وشدة بغضهم لأهله وحبهم الكفر وتهالكهم على حزبه.
قال الإمام الراغب : اليسير السهل ومنه قوله تعالى :﴿وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ (النساء : ٣٠) ويقال في الشيء القليل ومنه ﴿وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ إِلا يَسِيرًا﴾.
وفي الآية إشارة إلى مرض القلوب وصحة النفوس.
وخاصيتهما إذا وكلتا إلى حالتهما من فساد الاعتقاد وسوء الظن بالله ورسوله ونقض العهود والاغترار بتسويلات الشياطين والفرار من معادن الصدق والتمسك بالحيل والمكائد والكذب والتعلل بالأعذار الواهية وغلبات خوف البشرية والجبانة وقلة اليقين والصبر وكثرة الريب والجزع من احتمال خطر الأذية لو سئلوا الارتداد عن الإسلام والإشراك بعد الإقرار بالتوحيد لأجابوهم وجاءوا به وما تلبثوا بها يعني في الاحتراز عن الوقوع في الفتنة إلا يسيراً بل أسرعوا في إجابتها لاستيلاء أوصاف النفوس وغلباتها وتصدي القلوب وهجوم غفلاتها ومن عرف طريقاً إلى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحداً من العالمين.
واعلم أن الله تعالى ذم المنافقين في أقوالهم وأفعالهم فإن للإنسان اختياراً في كل طريق سلكه فمن وجد شراً فلا يذم إلا نفسه ولم تجب الهداية على النبي عليه السلام في حق الكفار والمنافقين فكيف على غيره من الورثة في حق العاصين كما قال عليه السلام :"إنما أنا رسول وليس إليّ من الهداية شيء ولو كانت الهداية إليّ لآمن كل من في الأرض وإنما إبليس مزين وليس إليه من الضلالة شيء ولو كانت الضلالة إليه لأضل كل من في الأرض ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
مؤمن وكافر درين دير فنا
صورتى دارد زنقش كبريا
نقش كره آمدازدست قضا
ليك ميدان نقش را از مقتضا
فافهم جداً.
﴿وَلَقَدْ كَانُوا﴾ أي : الفريق الدين استأذنوك للرجوع إلى منازلهم في المدينة وهم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿عَـاهَدُوا اللَّهَ﴾ العهد حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهداً والمعاهدة المعاقدة كما في "تاج المصادر".
والمعنى بالفارسية (عهد كردند باخداى تعالى) ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبل واقعة الخندق يعني يوم أحد حين هموا بالانهزام ثم تابوا لما نزل فيهم ما نزل كما سبق في آل عمران ﴿لا يُوَلُّونَ الادْبَـارَ﴾ جواب قسم لأن عاهدوا بمعنى حلفوا كما في "الكواشي" (والتوبة : بشت بركدانيدن) ودبر الشيء خلاف القبل وولاه دبره انهزم.
والمعنى لا يتركون العدو خلف ظهورهم ولا يفرون من القتال ولا ينهزمون ولا يعودون لمثل ما في يوم أحد ثم وقع منهم هذا الاستئذان نقضاً للعهد، وبالفارسية :(شتها برنكردانند دركار زارها) ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا﴾ مطلوباً مقتضى حتى يوفي يقال سألت فلاناً حقي أي : طالبته به أو مسؤولاً يوم القيامة يسأل عنه هل وفى المعهود به أو نقضه فيجازي عليه وهذا وعيد، قال الحافظ.
وفا وعهد نكو باشد اربياموزى
وكرنه هركه توبينى ستمكرى داند
وقال في حق وفاء العشاق :
از دم صبحازل تا آخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهدويك ميثاق بود
١٥٢
قل يا محمد لهم :﴿لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ﴾ (سود نميدارد شمارا كريختن) ﴿إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ﴾ (از مرك) ﴿أَوِ الْقَتْلِ﴾ (يا ازكشتن) فإنه لا بد لكل شخص من الفناء والهلاك سواء كان بحتف أنف أو بقتل سيف في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم ولا يتغير جداً والقتل فعل يحصل به زهوق الروح.
قال الراغب أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت لكن إذا اعتبر بفعل المتولى لذلك يقال قتل وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت انتهى.
والحتف الهلاك قال علي كرم الله وجهه ما سمعت كلمة عربية من العرب إلا وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسمعته يقول :"مات حتف أنفه" وما سمعتها من عربي قبله وهو أن يموت الإنسان على فراشه لأنه سقط لأنفه فمات وكانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته.
﴿وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا﴾ (التمتيع : برخوردارى دادن) أي : وإن نفعكم الفرار مثلاً فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعاً أو زماناً قليلاً، وبالفارسية :(وانكاه كه كريزد زنده نكذارند شمارا مكر زمانى اندك ه آخر شربت فنا نوشيد نيست وخرقه فوات وشيدنى :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
كه مينهد قدم اندر سراى كون وفساد
كه بازروى براه عدم نمى آرد)
الموت كأس وكل الناس شاربه
والقبر باب وكل الناس داخله
وعمر الدنيا كله قليل فكيف مدة آجال أهلها وقد قال من عرف الحال : مقدار عمرك في جنب عيش الآخرة كنفس واحد.
وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل أطلب.