﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم﴾ مذهب سيبويه على أن من الاستفهامية مبتدأ وذا خبره والذي صفة أو بدل منه، والمعنى بالفارسية :(آن كيست كه نكاه دارد شمارا) وذهب بعض النحاة إلى كون من خبراً مقدماً فالمعنى :(كيست آنكه) والعصمة الإمساك والحفظ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أي : من قضائه ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُواءًا﴾ بالفارسية :(بدى) وهو كل ما يسوء الإنسان ويغمه والمراد هنا القتل والهزيمة ونحوهما ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ من عافية ونصرة وغيرهما مما هو من آثار الرحمة قرينة السوء من العصمة ولا عصمة إلا من السوء لأن معناه أو يصيبكم بسوء إن أراده بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله متقلداً سيفاً ورمحاً أي : ومعتقلاً رمحاً والاعتقال أخذ الرمح بين الركب والسرج.
وفي التاج :(الاعتقال : نيز بميان ساق وركاب برداشتن) ﴿وَلا يَجِدُونَ لَهُم﴾ أي : لأنفسهم ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ متجاوزين الله تعالى ﴿وَلِيًّا﴾ (دوستى كه نفع رساند) ﴿وَلا نَصِيرًا﴾ يدفع الضرر عنهم، وبالفارسية :(ونه يارى كه ضرر باز دارد).
واعلم أن الآية دلت على أمور :
الأول أن الموت لا بد منه.
قال بعضهم :(عمر اكره دراز بود ون مرك روى نمود آزان درازى ه سود نوح عليه السلام هزار سال درجهان بسر برده است امروز ن هزار سالست كه مرده است) :
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ندنيز
قال بعضهم : إذا بلغ الرجل أربعين سنة ناداه مناد من السماء دنا الرحيل فأعدّ زاداً.
قال الثوري : ينبغي
١٥٣
لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي عليه السلام أن يهيىء كفنه.
قال حاتم الأصم : ما من صباح إلا ويقول الشيطان لي : ما تأكل وما تلبس وأين تسكن فأقول له : آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
والثاني : أن الفرار لا يزيد في الآجال ومن أسوأ حالاً ممن سعى لتبديل الأجال والأرزاق ورجا دفع ما قدر له أنه لاق وأنه لا يقيه منه واقٍ، قال علي كرم الله وجهه : إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش فلو لم يكن في القتل الذي يفر منه الإنسان إلا الراحة من سكرات الموت لكان في ذلك ما يوهب الثبات وإن لم ينظر إلى ما بعده وهو الفوز العظيم وذلك أن شهيد البحر لا ألم له أصلاً وأما شهيد البر فلا يجد من ألم الموت إلا كمس قرصة.
قال بعضهم : الفار مسلم لنفسه والمقاتل مدافع عنها وإذا انقضت مدة الأجل فالمنية لا بد منها.
بروز أجل نيزه جوشن درد
زيراهنى ى اجل نكذرد
كرت زند كانى نبشتست دير
نه مارت كز آيدنه شمشير وتير
أما تخشى أيها الفار، أن تدركك المنية فتكون من أصحاب النار؟ أما تخاف أن يأتيك سهم وأنت مول فيسكنك دار البوار؟ أما تخشى أن تؤسر فتفتن عن دينك أو ينوّع عذابك ولا شك عند كل ذي لب أن استقبال الموت إذا كان وقته خير من استدباره وقد اشتاق أهل الله إلى لقاء الله.
قال المولى العارف في "المثنوي" :
س رجال از نقل عالم شادمان
وزبقا اش شادمان اين كودكان
ونكه آب خوش نديد آن مرغ كور
يش او كوثر نمايد آب شور
والثالث : أن من اتخذ الله ولياً ونصيراً نال ما يتمناه قليلاً وكثيراً ونصر أميراً وفقيراً وطاب له وقته مطلقاً وأسيراً فثبت ثبات الجبال وعامل معاملة الرجال.
قال بعض العارفين في الآية إشارة إلى مدعي الطلب فإنهم يعاهدون الله من قبل الشروع في الطلب أنهم لا يولون أدبارهم عند المحاربة مع الشيطان وعند الجهاد مع النفس فلما شرعوا في الحرب والجهاد مع أحزاب النفس والشيطان وقد حمل كل حزب منهم أسلحتهم وأخذوا خدعات الحرب ومكايدها وهم الشجعان الأقوياء والأبطال المجربون وعساكر الطلاب المرضى القلوب وهم بعد أغمار غير مجربي القتال والحروب وإن كان لهم الأسلحة ولكنهم بمعزل عن استعمالها لضعفهم وعدم العلم بكيفية الاستعمال فإذا قام الحرب ودام الضرب غلب الأقوياء على الضعفاء وانهزم المرضى على الأصحاء.
الش است وخمره خوردن نيست اين†
فلم يساعدهم الصدق ولم يعاونهم العشق ولم يذكروا حقيقة قوله :﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا﴾ ولم يتفكروا في أن الفرار النافع إنما هو إلى الله لا من الله فمن فر من موت النفس وقتلها بالمجاهدة فلا يتمتع كالبهائم والأنعام في رياض الدنيا إلا قليلاً، ولا يجد بركة عمره بل يكون الفرار سبب قصر العمر نسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الفرار من نحو بابه والإقبال على الأدبار عن جنابه أنه الولي النصير ذو الفضل الكثير.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١