فإن المشايخ قد قالوا : إن مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة ولهذا قال تعالى :﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ﴾ لأنها لم تكن بإيمان حقيقي بل كانت بالتقليد والرياء والسمعة وكان ذلك الرد والإبطال على الله يسيراً.
وقد قال بعض الكبار : إني لست بقطب الوجود ولكن مؤمن به فقيل له ونحن مؤمنون به أيضاً فقال بين إيمان وإيمان فرق فمن إيمان لا يزول كأصل الشجرة الراسخة ومن إيمان يزول كأصل النباتات الواهية وذلك لأن المحسن الموقن مأمون من الارتداد والريب بخلاف أهل الغفلة والمتعبد على حرف.
لا يزيل الماء نقشاً في الحجر
بل يزيل النقش في وجه الورق
باش بر عشق خدا ثابت قدم
رونمى كردان زوجه اك حق
﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِا فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِا أولَئكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الاحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الاعْرَابِ يَسْـاَلُونَ عَنْ أَنابَآاـاِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا * لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
﴿يَحْسَبُونَ الاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ أي : هؤلاء المنافقون لجبنهم المفرط يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ففروا إلى المدينة والأحزاب هم الذين تحزبوا على النبي عليه السلام يوم الخندق وهم قريش وغطفان وبنو قريظة والنضير من اليهود (والتحزب، كروه كروه شدن) كما في "التاجي ﴿وَإِن يَأْتِ الاحْزَابُ﴾ كرة ثانية إلى المدينة، وبالفارسية :(اكربيايند اين لشكرها نوبتى ديكر) ﴿يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الاعْرَابِ﴾ تمنوا أنهم خارجون من المدينة إلى البدو وحاصلون بين الأعراب لئلا يقاتلوا.
والود محبة الشيء وتمنى كونه وبدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية وهي مكان يبدو ما يعن فيه أي : يعرض ويقال للمقيم بالبادية بادٍ فالبادون خلاف الحاضرين والبدو خلاف الحضر ﴿يُسْـاَلُونَ﴾ كل قادم من جانب المدينة ﴿عَنْ أَنابَآاـاِكُمْ﴾ عن أخباركم وعما جرى عليكم، يعني :(از آنه كذشته باشد ميان شما ودشمنان) وهو داخل تحت الود اى يودون أنهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُم﴾ في الخندق هذه الكرة الثانية ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال، وبالفارسية :(اكر باشند درميان يعنى در مدينه ومقاتله با اعدادست دهد) ﴿مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا﴾ رياء وخوفاً من التعيير من غير حسبة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون كما في "تفسير الجلالين" وهو الظاهر من قوله فيما بعد لمن كان يرجو الله الخ ﴿فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.
قال الراغب : الإسوة والأسوة كالقدوة والقدوة الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسناً أو قبيحاً وإن ساراً أو ضاراً ويقال : تأسيت به أي : اقتديت.
والمعنى : لقد كان لكم في محمد صلى الله عليه وسلّم خصلة حسنة وسنة صالحة حقها أن يؤتسى بها أي : يقتدى كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد فإنه قد شج فوق حاجبه وكسرت رباعيته وقتل عمه حمزة يوم أحد وأوذي بضروب الأذى فوقف ولم ينهزم وصبر فلم يجزع فاستسنوا بسنته وانصروه ولا تتخلفوا عنه.
وقال بعضهم : كلمة في تجريدية جرد من نفسه الزكية شيء وسمي قدوة وهي هو يعني أن رسول الله في نفسه إسوة وقدوة يحسن التأسي والاقتداء به كقولك في البيضة عشرون مناً حديداً أي : هي نفسها هذا القدر من الحديد ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ﴾ أي : يأمل ثواب الله ونعيم الآخرة أو يخاف الله واليوم الآخر.
فالرجاء يحتمل الأمل والخوف ولمن كان صلة الحسنة أو صفة لها لا بدل من لكم فإن الأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل
١٥٦
منه ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أي : ذكراً كثيراً في جميع أوقاته وأحواله أي : وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول الله.
قال الحكيم الترمذي : الأسوة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول وفعل.
قال الشيخ سعدي :
درين بحر جز مرد ساعى نرفت
كم آن شد كه دنبال راعى نرفت
كساني كزين راه بركشته اند
بر فتند بسيار وسر كشته اند
خلاف يمبر كسى ره كزيد
كه هركز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا
توان رفت جزبرى مصطفى