فمتابعة الرسول تجب على كل مؤمن حتى يتحقق رجاؤه ويثمر عمله لكونه الواسطة والوسيلة وذكر الرجاء اللازم للإيمان بالغيب في مقام النفس وقرن به الذكر الكثير الذي هو عمل ذلك المقام ليعلم أن من كان في البداية يلزم متابعته في الأعمال والأخلاق والمجاهدات بالنفس والمال إذ لو لم يستحكم البداية لم يفلح بالنهاية ثم إذا تجرد وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه في موارد قلبه كالصدق والإخلاص والتسليم ليحتظي ببركة المتابعة بالمواهب والأحوال وتجليات الصفات في مقام القلب كما احتظى بالمكاسب والمقامات وتجليات الأفعال في مقام النفس وهكذا في مقام الروح حتى الفناء.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى ما سبقت به العناية لهذه الأمة في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلّم كما أخبر بلفظ ﴿لَقَدْ كَانَ﴾ أي : كان ﴿لَكُمْ﴾ مقدراً في الأزل أن يكون لكم عند الخروج من العدم إلى الوجود ﴿فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ أي : اقتداء حسن وذلك فإن أول كل شيء تعلقت به القدرة للإيجاد كان روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقوله :"أول ما خلق الله روحي" فالأسوة الحسنة عبارة عن تعلق القدرة بأرواح هذه الأمة لإخراجهم من العدم إلى الوجود عقيب إخراج روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العدم إلى الوجود فمن أكرم بهذه الكرامة يكون له أثر في عالم الأرواح قبل تعلقه بعالم الأشباح وبعد تعلقه بعالم الأشخاص فأما أثره في عالم الأرواح فبتقدمه على الأرواح بالخروج إلى عالم الأرواح وبرتبته في الصف الأول بقرب روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو في الصف الذي يليه وبتقدمه في قبول الفيض الإلهي وبتقدمه عند استخراج ذرات الذريات من صلب آدم في استخراج ذراته وبإحضارها في الحضرة وبتقدمه في استماع خطاب ألست بربكم وبتقدمه في إجابة الرب تعالى بقوله قالوا : بلى وبتقدمه في المعاهدة مع الله وبتأخره في الرجوع إلى صلب آدم وبتأخره في الخروج عن أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وفي الخروج عن الرحم وبتأخر تعلق روحه بجسمه فإنالذي هو المقدم والمؤخر في هذه التقدمات والتأخرات حكمة بالغة ولها تأثيرات عجيبة يطول شرحها وأما أثره في عالم الأشباح فاعلم أنه بحسب هذه المراتب في ظهور أثر الأسوة يظهر أثرها في عالم الأشباح عند تعلق نظر الروح بالنطفة في الرحم أولاً إلى أن تتربى النطفة بنظره في الأطوار المختلفة ويصير قالباً مسوياً مستعداً لقبول تعلق الروح به فمثل القالب المسوي مع الروح كمثل الشمعة مع نقش الخاتم إذا وضع عليها يقبل جميع نقوش القالب المسوي مع الروح كمثل الشمعة مع نقش الخاتم إذا وضع عليها يقبل جميع نقوش الخاتم فالروح المكرم إذا تعلق بالقالب المسويّ يودع فيه جميع خواصه التي استفادها من
١٥٧
تلك التقدمات والتأخرات الأسوتية فكل ما يجري على الإنسان من بداية ولادته إلى نهاية عمره من الأفعال والأقوال والأخلاق والأحوال كلها من آثار خواص أودعها الله في الروح فبحسب قرب كل روح إلى روح الرسول صلى الله عليه وسلّم وبعده عنه له أعمال ونيات تناسب حاله في الأسوة فأما حال أهل القرب منهم فبأن يكون عملهم على وفق السنة خالصاً لوجه الله تعالى كما قال :﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ﴾ وأما من هو دونهم في القرب والإخلاص فبأن يكون عملهم لليوم الآخر أي : للفوز بنعيم الجنان كما قال تعالى :﴿وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ أي : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ثم جعل نيل هذه المقامات مشروطاً بقوله تعالى :﴿وَذَكَرَ اللَّهَ﴾ كثيراً لأن في الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً وهماً قدمان للسائرينتعالى وجناحان للطائرين بالله بهما يخرجون من ظلمات الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي انتهى كلام "التأويلات".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ قَالُوا هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه وَمَا زَادَهُمْ إِلا﴾.


الصفحة التالية
Icon