﴿النَّبِىُّ﴾ ﴿قُلْ﴾ أمر وجوب في تخييرهن وهو من خصائصه عليه السلام ﴿لازْوَاجِكَ﴾ نسائك وهن يومئذٍ تسع نسوة خمس من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان وأم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية وسودة بنت زمعة العامرية وأربع من غير قريش زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيى بن أخطب الخيبرية الهارونية وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية وكانت هذه بعد وفاة خديجة رضي الله عنها ﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا﴾ أي : السعة والتنعم فيها ﴿وَزِينَتَهَا﴾ (وآرايش ون ثياب فاخره ويرايها بتكلف) ﴿فَتَعَالَيْنَ﴾ أصل تعالى أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المنخفض ثم كثر حتى استوت في استعماله الأمكنة ولم يرد حقيقة الإقبال والمجيىء بل أراد أجبن على ما أعرض عليكن واقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يقال أقبل يكلمني وذهب يخاصمني وقام يهددني ﴿أُمَتِّعْكُنَّ﴾ بالجزم جواباً للأمر، والتمتيع بالفارسية :(برخوردارى دادن) أي : أعطكن المتعة، وبالفارسية :(س بياييدكه بدهم شمارا متعه طلاق نانه مطلقه را دهند) سوى المهر وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به انتفاعاً قليلاً غير باق بل ينقضي عن قريب ويسمي التلذذ تمتعاً لذلك وهي درع وهو ما يستر البدن وملحفة وهي ما يستر المرأة عند خروجها من البيت وخمار وهو ما يستر الرأس وهي واجبة عند أبي حنيفة رضي الله عنه في المطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها مهر عند العقد ومستحبة فيما عداها والحكمة في إيجاب المتعة جبر لما أوحشها الزوج بالطلاق فيعطيها لتنتفع بها مدة عدتها ويعتبر ذلك بحسب السعة والأقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فحينئذٍ يجب لها الأقل منه ولا ينقص عن خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة فلا ينقص عن نصفها
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ السرح شجر له ثمرة وأصله سرحت الإبل أن ترعيها السرح ثم جعل لكل إرسال في الرعي والتسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل كالطلاق في كونه مستعاراً من طلاق الإبل وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية هو لفظ الطلاق عند أبي حنيفة وأحمد والطلاق والفراق والسراح عند الشافعي ومالك والمعنى أطلقكن ﴿سَرَاحًا جَمِيلا﴾ طلاقاً من غير ضرار وبدعة.
واتفق الأئمة على أن السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه وهي ممن تحبل فهو طلاق بدعة محرم ويقع بالاتفاق وجمع الثلاثة بدعة عند أبي حنيفة ومالك وقال أحمد هو محرم خلافاً للشافعي ويقع بلا خلاف بينهم.
واعلم أن الشارع إنما كره الطلاق ندباً إلى الإلفة وانتظام الشمل ولما علم الله أن الافتراق لا بد منه
١٦٤
لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة لعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاماً للشيطان فإنهم في ذلك تحت إذن إلهي وإنما كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى لأنه رجوع إلى العدم إذ بائتلاف الطبائع ظهر وجود الترتيب وبعد الائتلاف كان العدم فمن أجل هذه الرائحة كرهت الفرقة بين الزوجين لعدم عين الاجتماع كذا في "الفتوحات".
وتقديم التمتيع على التسريح من باب الكرم وفيه قطع لمعاذيرهن من أول الأمر.
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لازْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَالدَّارَ الاخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يا نِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِا وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى}.
﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي : تردن رسوله وصحبته ورضاه وذكر الله للإيذان بجلالته عليه السلام عنده تعالى.
﴿وَالدَّارُ الاخِرَةُ﴾ أي : نعيمها الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها جميعاً ﴿فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـاتِ﴾ (مرزنان نيكوكارانرا) ﴿مِنكُنَّ﴾ بمقابلة إحسانهن ومن للتبيين لأن كلهن محسنات أصلح نساء العالمين ولم يقل لكن إعلاماً بأن كل الإحسان في إيثار مرضاة الله ورسوله على مرضاة أنفسهن.
﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ لا يعرف كنهه وغايته وهو السر فيما ذكر من تقديم التمتيع على التسريح وفي وصف التسريح بالجميل ولما نزلت هذه الآية بدأ عليه السلام بعائشة رضي الله عنها وكانت أحب أزواجه إليه وقرأها عليه وخيرها فاختارت الله ورسوله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon