ـ وروي ـ أنه قال لعائشة رضي الله عنها : إني ذاكر لك أمراً أحب أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك أي : تشاوري لما علم أن أبويها لا يأمرانها بفراقه عليه السلام قالت : وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت : أفي هذا استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة" (رسول را اين سخن ازو عجب آمد وبدان شاد شد واثر شادى بربشره مبارك وى يدا آمد).
ثم اختارت الباقيات اختيارها فلما آثرنه عليه السلام والنعيم الباقي على الفاني شكر الله لهن ذلك وحرم على النبي التزوج بغيرهن فقال :﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنا بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ الآية كما سيأتي.
واختلف في أن هذا التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق باختيارهن أو كان تخييراً لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن عليه السلام كما ينبىء عنه قوله :﴿فَتَعَالَيْنَ﴾ الخ فذهب البعض إلى الأول وقالوا : لو اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقاً ولذا اختلف في حكم التخيير فإنه إذا خير رجل امرأته فاختارت نفسها في ذلك المجلس قبل القيام والاشتغال بما يدل على الإعراض بأن تقول اخترت نفسي وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة ورجعية عند الشافعي وثلاث تطليقات عند مالك ولو اختارت زوجها لا يقع شيء أصلاً وكذا إذا قامت من مجلسها قبل أن تختار نفسها انقطع التخيير باتفاقهم.
واختلفوا فيما إذا قال أمرك بيدك فقال أبو حنيفة إذا قال أمرك بيدك في تطليقة فاختارت نفسها يقع طلقة رجعية وإن نوى الثلاث صح فلو قالت : اخترت واحدة فهي ثلاث وهو كالتخيير يتوقف على المجلس.
وفي الآية إشارتان :
الأولى : أن حب الدنيا وزينتها موجب للمفارقة عند صحبة النبي عليه السلام لأزواجه مع أنهن محال النطفة الإنسانية في عالم الصورة ليعلم أن حب الدنيا وزينتها آكد في إيجاب المفارقة عن صحبة النبي عليه السلام لأمته ؛ لأن أرحام قلوبهم محل النطفة الروحانية الربانية فينبغي أن يكون أطيب وأزكى لاستحقاق تلك النطفة الشريفة فإن الطيبات للطيبين :
١٦٥
خاطرت كى رقم فيض ذيرد هيهات
مكراين نقش را كنده ورق ساده كنى
والثانية : أن محبة الله ورسوله والدار الآخرة موجبة للاتصال بالنبي عليه السلام والوصلة إلى الله إن كانت خالصة لوجه الله فإن كانت مشوبة بنعيم الجنة فله نعيم الجنة بقدر شوب محبة الله محبة نعيم وله من الأجر العظيم بحسب محبة الله.
فإن قال قائل : قد تحقق أن محبة الله إذا كانت مشوبة بمحبة غير الله توجب النقص من الأجر العظيم بقدر شوب محبة غير الله فكذلك هل يوجب النقص شوب محبة النبي عليه السلام من الأجر العظيم.
قلنا لا توجب النقص من الأجر العظيم بل تزيد فيه لأن من أحب النبي عليه السلام فقد أحب الله كما أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والفرق بين محبة النبي ومحبة الجنة أن محبته بالحق دون الحظ ومحبة الجنة بالحظ دون الحق فإن الجنة حظ النفس كما قال تعالى :﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ﴾ (فصلت : ٣١) ومحبة النبي ومتابعته مؤدية إلى محبة الله للعبد كقوله تعالى :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ٣١)، قال المولى الجامي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
لي حبيب عربي مدني قرشي
كه بود در دوغمش مايه شادى وخوشى
فهم رازش نكنم او عربي من عجمي
لاف مهرش ه زنم او قرشي من حبشي
ذره وارم بهوا دارى اورقص كنان
تاشد او شهره آفاق بخورشيد وشى
كره صد مرحله دورست زيش نظرم
وجهه في نظرى كل غداة وعشى
﴿النَّبِىُّ﴾ توجيه الخطاب إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن ههنا وفيما بعده بالإضافة إليه عليه السلام لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام ﴿مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ﴾ بسيئة بليغة في القبح وهي الكبيرة، وبالفارسية :(هركه بيايد ازشما بكارى نا سنديده) ﴿مُّبَيِّنَةٍ﴾ ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين قيل هذا كقوله تعالى :﴿لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (الزمر : ٦٥) لا إن منهن من أتت بفاحشة أي : معصية ظاهرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني النشوز وسوء الخلق.
قال الراغب : الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال انتهى.


الصفحة التالية
Icon