﴿لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ﴾ أي : ضيق ومشقة.
قال في "المفردات" : أصل الحرج مجتمع الشجر وتصور منه ضيق بينها فقيل للضيق حرج وللإثم حرج واللام في لكي هي لام كي دخلت على كي للتوكيد.
وقال بعضهم : اللام جارة لتعليل التزويج وكي حرف مصدري كأن ﴿فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآاـاِهِمْ﴾ في حق تزوج زوجات الذين دعوهم أبناء والأدعياء : جمع دعيّ وهو الذي يدعى ابناً من غير ولادة.
﴿إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ أي : إذا لم يبق لهم فيهن حاجة وطلقوهن وانقضت عدتهن فإن لهم في رسول الله إسوة حسنة.
وفيه دليل على أن حكمه عليه السلام وحكم الأمة سواء إلا ما خصه الدليل.
قال الحسن : كانت العرب تظن أن حرمة المتبني كحرمة الابن فبين الله أن حلائل الادعياء غير محرمة على المتبني وإن أصابوهن أي : وطئوهن بخلاف ابن الصلب فإن امرأته تحرم بنفس العقد ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ أي : ما يريد تكوينه من الأمور ﴿مَفْعُولا﴾ مكوّناً لا محالة لا يمكن دفعه ولو كان نبياً كما كان تزويج زينب وكانت كالعارية عند زيد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
ولذا قال حضرة الشيخ افتاده افندي قدس سره : في اعتقادنا أن زينب بكر كعائشة رضي الله عنها لأن زيداً كان يعرف أنها حق النبي عليه السلام فلم يمسها وذلك مثل آسية وزليخا ولكن عرفان عائشة لا يوصف ويكفينا أن ميله عليه السلام إليها كان أكثر من غيرها ولم تلد أيضاً لأنها فوق جميع التعينات وكان عائشة رضي الله عنها تقول في حق زينب : هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله ما رأيت امرأة قط خيراً في الدين وأتقىوأصدق في حديث وأوصل للرحم وأعظم صدقة من زينب (وازس درويش نواز ومهماندار وبخشنده بود اورا ام المساكين ميكفتند واول زنى كه بعد ازرسول خدا ازدنيا بيرون شد زينب بود) ماتت بالمدينة سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة وأبدل الله منها لزيد جارية في الجنة كما قال عليه السلام :"استقبلتني جارية لعساء وقد أعجبتني فقلت لها يا جارية أنت لمن؟ قالت : لزيد بن حارثة" قوله : استقبلتني أي : خرجت من الجنة واستقبلته عليه السلام بعد مجاوزة السماء السابعة ليلة المعراج.
واللعس لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلاً وذلك مستملح قاله في "الصحاح".
وأبدى السهيلي حكمة لذكر زيد باسمه في القرآن وهي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ﴾ وصار يقال له زيد بن حارثة ولا يقال له زيد بن محمد ونزع عنه هذا التشريف وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بذكر اسمه في القرآن دون غيره من الصحابة فصار اسمه يتلى في المحاريب، وزاد في الآية أن قال : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أي : بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم بذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى.
ثم إن هذا الإيثار الذي نقل عن زيد إنما يتحقق به
١٨١
السالك القوي الاعتقاد الثابت في طريق الرشاد فانظر إلى حال الأصحاب يفتح الله لك الحجاب.
ـ روي ـ أنه عليه السلام آخى بعد الهجرة بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وبين سعد بن الربيع من الأنصار وعند ذلك قال سعد لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالاً فأنا مقاسمك وعندي امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك كما في "إنسان العيون" ثم دار الزمان فصار كل أمر معكوساً فرحم الله امرأ نصب نفسه لرفع البدع والهوى وجانب جر الذيل إلى جانب الردى.
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـاـاه فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآاـاِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَا وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١