﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ﴾ أي : ما صح وما استقام في الحكمة أن يكون عليه ضيق فمن زائدة بعد النفي وحرج اسم كان الناقصة ﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ أي : قسم الله له وقدر كتزوج زينب من قولهم فرض له في الديوان كذا ومنه فروض العساكر لأرزاقهم.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ اسم موضوع موضع المصدر مؤكد لما قبله من نفي الحجر أي : سن الله نفي الحرج سنة أي : جعله طريقة مسلوكة ﴿فِى الَّذِينَ خَلَوْا﴾ مضوا.
قال في "المفردات" : الخلو يستعمل في الزمان والمكان لكن لما تصور في الزمان المضي فسر أهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب انتهى.
يقول الفقير : الخلو في الحقيقة حال الزمان والمكان لأن المراد خلوهما عما فيهما بموت ما فيهما فافهم ﴿مِن قَبْلُ﴾ من الأنبياء حيث وسع عليهم في باب النكاح وغيره ولقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة وثلاثمائة سرية ولابنه سليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فلك التوسعة في أمر النكاح مثل الأنبياء الماضين ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ (وهست كار خدا) ﴿قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً.
قال في "المفردات" : القدر إشارة إلى ما بين به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ وهو المشار إليه بقوله :"فرع ربك من الخلق" والخلق والأجل والرزق والمقدور إشارة إلى ما يحدث حالاً فحالاً وهو المشار إليه بقوله :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ (الرحمن : ٢٩) وفيه إشارة إلى أن الله تعالى إذا قضى أمر نبي أو ولي لم يجعل عليه في ذلك من حرج ولا سبب نقصان وإن كان في الظاهر سبب نقصان ما عند الخلق والذي يجري على الأنبياء والأولياء قضاء مبرم مبني على حكم كثيرة ليس فيه خطأ ولا غلظ ولا عبث.
ير ما كفت خطا برقلم صنع ترفت
آفرين برنظر اك خطا وشش باد
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ﴾ مجرور المحل على أنه صفة للذين خلوا.
ومعناه بالفارسية (آنانكه ميرسانيدند يغامهاى خدارا بامتان خود) والمراد ما يتعلق بالرسالة وهي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خلقه أي : إيصال الخبر من الله إلى العبد ﴿وَيَخْشَوْنَهُ﴾ في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في أمر تبليغ الرسالة حيث لا يقطعون منها حرفاً ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم ﴿وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ﴾ وفي وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعريض بما صدر عنه عليه السلام من الاحتراز عن لائمة الخلق بعد التصريح في قوله :﴿وَتَخْشَى النَّاسَ﴾ الآية.
قال بعض الكبار : خشية الأنبياء من العقاب وخشية الأولياء من الحجاب وخشية عموم الخلق من العذاب.
وفي "الأسئلة المقحمة" كيف قال ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ومعلوم أنهم خافوا غير الله وقد خاف موسى عليه السلام حين قال له :
١٨٢
﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى﴾ (طه : ٦٨) وكذلك قال يعقوب عليه السلام :﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ (يوسف : ١٣) وكذلك خاف نبينا عليه السلام حين قيل له :﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة : ٦٧) وكذلك أخبر الكتاب عن جماعة من الأنبياء أنهم خافوا أشياء غير الله والجواب أن معنى الآية لا يعتقدون أن شيئاً من المخلوقات يستقل بإضرارهم ويستبد بإيذائهم دون إرادة الله ومشيئته لما يعلمون أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره فأراد بالخوف خوف العقيدة والعلم واليقين لا خوف البشرية الذي هو من الطباع الخلقية وخواص البشرية ونتائج الحيوانية ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ محاسباً لعباده على أعمالهم فينبغي أن يحاسب العبد نفسه قبل محاسبة الله إياه ولا يخاف غير الله لا في أمر النكاح ولا في غيره إذا علم أن رضى الله وحكمه فيه.
واعلم أن السواك والتعطر والنكاح ونحوها من سنن الأنبياء عليهم السلام وليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تستمر تلك العبادة في الجنة إلا الإيمان والنكاح.
قال بعض الكبار : من كان أتقى كانت شهوته أشد وذلك أن حرارة الشهوة الحقيقية إنما هي بعد نار العشق التي بعد نور المحبة فانظر كم من فرق بين شهوة أهل الحجاب وشهوة أهل الشهود فعروق أهل الغفلة ممتلئة بالدم وعروق أهل اليقضة ممتلئة بالنور ولا شك أن قوّة النور فوق قوة الدم فنسأل الله الهدي لا الحركة بالهوى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
ـ حكي ـ عن بعض الكبار أنه قال : كنت في مجلس بعض العارفين فتكلم إلى أن قال : لا مخلص لأحد من الهوى ولو كان فلاناً عني به النبي عليه السلام حيث قال :"حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة" فقلت له : أما تستحي من الله تعالى فإنه عليه السلام ما قال أحببت بل قال حبب فكيف يلام العبد على ما كان من عند الله بلا اختيار منه قال ثم حصل لي غم وهمّ فرأيت النبي عليه السلام في المنام فقال : لا تغتم فقد كفينا أمره ثم سمعت أنه قتل في طريق ضيعة له.
قال بعض الكبار :