﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا﴾ فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي لشأنه ولا يعلم أحد سواه ذلك.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : هي نص على أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد إليهم ثم من تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عن أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده كذاب أفاك دجال ضال مضل ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم
١٨٧
والنيرنجيات فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى سبحانه على يدي الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله تعالى وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب ما جاء بها انتهى.
ولما نزل قوله تعالى :﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ﴾ استغرب الكفار كون باب النبوة مسدوداً فضرب النبي عليه السلام لهذا مثلاً ليتقرر في نفوسهم وقال :"إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".
قال في "بحر الكلام" : وصنف من الروافض قالوا : بأن الأرض لا تخلو عن النبي والنبوة صارت ميراثاً لعلي وأولاده ويفرض على المسلمين طاعة علي وعلى كل من لا يرى إطاعته يكفر.
وقال أهل السنة والجماعة : لا نبي بعد نبينا لقوله تعالى :﴿وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ﴾ وقوله عليه السلام :"لا نبي بعدي" ومن قال بعد نبينا نبي يكفر لأنه أنكر النص وكذلك لو شك فيه لأن الحجة تبين الحق من الباطل.
ومن ادعى النبوة بعد موت محمد لا يكون دعواه إلا باطلاً انتهى.
وتنبأ رجل في زمن أبي حنيفة وقال : امهلوني حتى أجيء بالعلامات فقال أبو حنيفة : من طلب منه علامة فقد كفر لقوله عليه السلام :"لا نبي بعدي" كذا في مناقب الإمام.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وفي "الفتوحات المكية" : وإنما لم يعطف المصلي السلام الذي سلم به على نفسه بالواو على السلام الذي سلم به على نبيه أي : لم يقل والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بعد قوله السلام عليك أيها النبي لأنه لو عطفه عليه وقال والسلام علينا على نفسه من جهة النبوة وهو باب قد سده الله كما سد باب الرسالة عن كل مخلوق بمحمد إلى يوم القيامة وتعين بهذا أنه لا مناسبة بيننا وبين رسول الله فإنه في المرتبة التي لا ينبغي لنا فابتدأنا بالسلام علينا في طورنا من غير عطف والمقام المحمدي ممنوع دخوله لنا وغاية معرفتنا بالنظر إليه كما تنظر الكواكب في السماء وكما ينظر أهل الجنة السفلى إلى من هو في عليين.
وقد وقع للشيخ أبي يزيد البسطامي في مقام النبي قدر خرم إبرة تجلياً لا دخولاً فاحترق.
وفي "الفصوص" وشرحه للجامي لا نبي بعده مشرعاً أو مشرعاً له والأول هو الآتي بالأحكام الشرعية من غير متابعة لنبي آخر قبله كموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام والثاني هو المتبع لما شرعه له النبي المقدم كأنبياء بني إسرائيل إذ كلهم كانوا داعين إلى شريعة موسى فالنبوة والرسالة منقطعتان عن هذا الموطن بانقطاع الرسول الخاتم فلم يبق إلا النبوة اللغوية التي هي الأنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب ويقال لها الولاية وهي الجهة التي تلي الحق كما أن النبوة هي الجهة التي تلي الحق فالولاية باقية دائمة إلى قيام الساعة.
يقول الفقير : كان له عليه السلام نوران : نور النبوة، ونور الولاية، فلما انتقل من هذا الموطن بقي نور النبوة في الشريعة المطهرة وهي باقية فكأن صاحب الشريعة حي بيننا لم يمت وانتقل نور الولاية إلى باطن قطب الأقطاب يعني ظهر فيه ظهوراً تاماً فكان له مرآة وهو واحد في كل عصر ويقال له قطب الوجود وهو مظهر التجلي
١٨٨
الحقي.
وأما قطب "الإرشاد" فكثير وهم مظاهر التجلي العيني.
قال في "هدية المهديين" : أما الإيمان بسيدنا محمد عليه السلام فإنه يجب بأنه رسولنا في الحال وخاتم الأنبياء والرسل فإذا آمن بأنه رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه إلى يوم القيامة لا يكون مؤمناً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١