يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} نداء كرامة وتعظيم لأن الشريف ينادي باللقب الشريف لا نداء علامة مثل يا آدم ونحوه ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا﴾ الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة وهو حال مقدرة من كاف أرسلناك فإنه عليه السلام إنما يكون شاهداً وقت الأداء وذلك متأخر عن زمان الإرسال نحو مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي : مقدراً به الصيد غداً.
والمعنى إنا أرسلناك بعظمتنا مقدر شهادتك على أمتك بتصديقهم وتكذيبهم تؤديها يوم القيامة أداء مقبولاً قبول قول الشاهد العدل في الحكم ﴿وَمُبَشِّرَا﴾ لأهل الإيمان والطاعة بالجنة ولأهل المحبة بالرؤية ﴿وَنَذِيرًا﴾ ومنذراً لأهل الكفر والعصيان بالنار ولأهل الغفلة بالحجاب ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ أي : إلى الإقرار به وبوحدانيته وبسائر ما يجب الإيمان به من صفاته وأفعاله.
وفيه إشارة إلى أن نبينا عليه السلام اختص برتبة دعوة الخلق إلى الله من بين سائر الأنبياء والمرسلين فإنهم كانوا مأمورين بدعوة الخلق إلى الجنة وأيضاً دعا إلى الله لا إلى نفسه فإنه افتخر بالعبودية ولم يفتخر بالربوبية ليصح له بذلك الدعاء إلى سيده فمن أجاب دعوته صارت الدعوة له سراجاً منيراً يدله على سبيل الرشد ويبصره عيوب النفس وغيها.
﴿بِإِذْنِهِ﴾ أي : بتيسيره وتسهيله فأطلق الإذن وأريد به التيسير مجازاً بعلاقة السببية فإن التصرف في ملك الغير متعسر فإذا أذن تسهل وتيسر وإنما لم يحمل على حقيقته وهو الإعلام بإجازة الشيء والرخصة فيه لانفهامه من قوله :﴿أَرْسَلْنَـاكَ﴾ ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ وقيد به الدعوة إيذاناً بأنها أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة وإمداد من جانب قدسه كيف لا وهي صرف الوجوه عن سمت الخلق إلى الخلاق وإدخال قلادة غير معهودة في الأعناق.
قال بعض الكبار : بإذنه أي : بأمره لا بطبعك ورأيك وذلك فإن حكم
١٩٦
الطبع مرفوع عن الكمل فلا يدعون قولاً ولا عملاً إلا بالفناء في ذات الله عز وجل.
﴿وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ السراج الزاهر بفتيلة، يعني :(آتش اره كه در فتيله شمعست) والسراج المنير بالفارسية (راغ روشن ودرخشان).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
اعلم أن الله تعالى شبه نبينا عليه السلام بالسراج لوجوه :
الأول : أنه يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية ويهتدي بأنواره إلى مناهج الرشد والهداية كما يهتدي بالسراج المنير في الظلام إلى سمت المرام كما قال بعضهم :(حق تعالى يغمبر مارا راغ خواند زيرا كه ضوء راغ ظلمت را محو كند ووجود آن حضرت نيز ظلمت كفررا از عرصه جهان نابود ساخت) :
راغ روشن از نور خدايى
جها نرا داده از ظلمت رهايى
والثاني :(هره درخانه كم شود بنور راغ باز توان يافت حقا يقي كه ازمر دم وشيده بود بنور اين راغ بر مقتبسان انوار معرفت روشن كشت) :
ازو جانرا بدانش آشناييست
وزو شم جهانرا روشنا ييست
در كنج معانى بر كشاده
وزان صاحب دلانرا مايه داده
والثالث :(راغ اهل خانه سبب امن وراحتست ودزدرا واسطه خجلت وعقوبت آن حضرت دوستانرا وسيله سلامتست ومنكرانرا حسرت وندامت).
والرابع : أن السراج الواحد يوقد منه ألف سراج ولا ينقص من نوره شيء وقد اتفق أهل الظاهر والشهود على أن الله تعالى خلق جميع الأشياء من نور محمد ولم ينقص من نوره شيء وهذا كما روي أن موسى عليه السلام قال : يا رب أريد أن أعرف خزائنك فقال له : اجعل على باب خيمتك ناراً يأخذ كل إنسان سراجاً من نارك ففعل فقال : هل نقص من نارك قال : لا يا رب قال : فكذلك خزائني.
وأيضاً علوم الشريعة وفوائد الطريقة وأنوار المعرفة وأسرار الحقيقة قد ظهرت في علماء أمته وهي بحالها في نفسه عليه السلام ألا ترى أن نور القمر مستفاد من الشمس ونور الشمس بحاله وفي "القصيدة البردية" :
فإنه شمس فضل هم كواكبها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
تو مهر منيرى همه اخترند
تو سلطان ملكى همه لشكرند
أي أن سيدنا محمداً عليه السلام شمس من فضل الله طلعت على العالمين والأنبياء أقمارها يظهرن الأنوار المستفادة منها وهي العلوم والحكم في عالم الشهادة عند غيبتها ويختفين عند ظهور سلطان الشمس فينسخ دينه سائر الأديان.
وفيه إشارة إلى أن المقتبس من نور القمر كالمقتبس من نور الشمس، وفي "المثنوي" :
كفت طوبى من رآني مصطفى
والذي يبصر لمن وجهي رأى
ون راغ نور شمعى را كشيد
هركه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همنين تا صد راغ ار نقل شد
ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه ازنور سين بستان توآن
هي فرقى نيست خواه ازشمعدان
والخامس أنه عليه السلام يضيىء من جميع الجهات الكونية إلى جميع العوالم كما أن السراج
١٩٧
يضيىء من كل جانب وأيضاً يضيىء لأمته كلهم كالسراج لجميع الجهات إلا من عمي مثل أبي جهل ومن تبعه على صفته فإنه لا يستضيىء بنوره ولا يراه حقيقة كما قال تعالى :﴿وَتَرَاـاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف : ١٩٨).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon