﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ﴾.
قال في "بحر العلوم" : أصل النكاح الوطىء ثم قيل للعقد نكاح مجازاً تسمية للسبب باسم المسبب فإن العقد سبب الوطىء المباح وعليه قوله تعالى :﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً﴾ (النور : ٣) أي : لا يتزوج ونظيره تسمية النبات غيثاً في قوله رعينا الغيث لأنه سبب للنبات والخمر إثماً لأنها سبب لاكتساب الإثم.
وقال الإمام الراغب في "المفردات" أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات الاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستقظعونه لما يستحسنونه انتهى.
وفي "القاموس" النكاح الوطىء والعقد والمعنى إذا تزوجتم ﴿الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ وعقدتم عليهن وخص المؤمنات مع أن هذا الحكم الذي في الآية يستوي فيه المؤمنات والكتابيات تنبيهاً على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيراً لنطفته ويجتنب عن مجانبة الفواسق فما بال الكوافر فالتي في سورة المائدة تعليم ما هو جائز غير محرم من نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب وهذه فيها تعليم ما هو أولى بالمؤمنين
٢٠٠
من نكاح المؤمنات وقد قيل : الجنس يميل إلى الجنس، وفي "المثنوي" :
جنس سوى جنس صدره برد
بر خيالش بندهارا بر دردآن يكى را صحبت اخيار خار
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
لا جرم شد هلوى فجار جار ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ أصل الطلاق التخلية من وثاق يقال أطلقت الناقة من عقالها وطلقها وهي طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة نحو خليتها فهي طالق أي : مخلاة عن حبالة النكاح ﴿مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ أي : تجامعوهن فإن المس أي : اللمس كناية عن الوطىء وفائدة ثم إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة يؤثر في العدة كما يؤثر في النسب فلا تفاوت في الحكم بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح وبين أن يطلقها وهي بعيدة منه.
قالوا فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح كما قال بعضهم : إنما النكاح عقدة والطلاق يحلها فكيف تحل عقدة لم تعقد فلو قال متى تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يقع عليه طلاق إذا تزوج عند الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة يقع مطلقاً لأنه تطليق عند وجود الشرط إلا إذا زوجها فضولي فإنها لم تطلق كما في "المحيط" وقال مالك : إن عين امرأة بعينها أو من قبيلة أو من بلد فتزوجها وقع الطلاق وإن عمم فقال : كل امرأة أتزوجها من الناس كلهم لم يلزمه شيء ثم إن حكم الخلوة التي يمكن معها المساس في حكم المساس عند أبي حنيفة وأصحابه والخلوة الصحيحة غلق الرجل الباب على منكوحته بلا مانع وطىء من الطرفين وهو ثلاثة : حسي كمرض يمنع الوطأ ورتق وهو انسداد موضع الجماع بحيث لا يستطاع، وشرعي كصوم رمضان دون صوم التطوع والقضاء والنذور والكفارة في الصحيح لعدم وجوب الكفارة بالإفساد وكإحرام فرض أو نفل فإن الجماع مع الإحرام يفسد النسك ويوجب دماً مع القضاء، وطبعي كالحيض والنفاس إذ الطباع السليمة تنفر منها فإذا خلا بها في محل خال عن غيرهما حتى عن الأعمى والنائم بحيث أمنا من اطلاع غيرهما عليهما بلا إذنهما لزمه تمام المهر لأنه في حكم الوطيء ولو كان خصياً أو هو مقطوع الأنثيين أو عنيناً وهو الذي لا يقدر على الجماع وكذا لو كان مجبوباً وهو مقطوع الذكر خلافاً لهما وفرض الصلاة مانع كفرض الصوم للوعيد على تركها والعدة تجب بالخلوة ولو مع المانع احتياطاً لتوهم شغل الماء ولأنها حق الشرع والولد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
واعلم أن الحيض والنفاس والرتق من الأعذار المخصوصة بالمرأة وأما المرض والإحرام والصوم فتعتبر في كل من الرجل والمرأة وتعد مانعاً بالنسبة إلى كليهما كما في "تفسير أبي الليث".
ومعنى الآية بالفارسية :(س ون طلاق دهيد زنانرا قبل از دخول يايش از خلوت صحيحه) ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ﴾ (س نيست شمارا برين مطلقات) ﴿مِنْ عِدَّةٍ﴾ أيام ينتظرن فيها وعدة المرأة هي الأيام التي بانقضائها تحل للزوج ﴿تَعْتَدُّونَهَا﴾ محله الجر على أنه صفة عدة أي : تستوفون عددها أو تعدونها وتحصونها بالاقراء إن كانت من ذوات الحيض أو بالأشهر إن كانت آية.
وفي الإسناد إلى الرجال دلالة على أن العدة حقهم كما أشعر به فما لكم.
فدلت الآية على أنه لا عدة على غير المدخول بها لبراءة رحمها من نطفة الغير فإن شاءت تزوجت من يومها وكذا إذا تيقن بفراغ رحم الأمة من ماء البائع لم يستبرىء عند
٢٠١