﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَالِكُمْ﴾ (النساء : ٢٤) وأول بعضهم الهجرة في هذه الآية على الإسلام أي : أسلمن معك فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً﴾ بالنصب عطف على مفعول أحللنا إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق.
والمعنى : وأحللنا لك أيضاً أي : أعلمناك حل امرأة مؤمنة أية امرأة كانت من النساء المؤمنات فإنه لا تحل له المشركة وإن وهبت نفسها.
قال في "كشف الأسرار" : اختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي عليه السلام نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك لقوله :﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً﴾ ﴿إِن وَهَبَتْ﴾ تلك المرأة المؤمنة ﴿نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ﴾ أي : لك والالتفات للإيذان بأن هذا الحكم مخصوص به لشرف نبوته.
والهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض والحرة لا تقبل الهبة ولا البيع ولا الشراء إذ ليست بمملوكة فمعناه إن ملكته بعضها بلا مهر بأي عبارة كانت من الهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء والنكاح والتزويج ومعنى الشرط إن اتفق ذلك أي : وجد اتفاقاً
٢٠٤
﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه والمعنى أراد النبي أن يتملك بعضها كذلك أي : بلا مهر ابتداء وانتهاء ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ مصدر كالكاذبة أي : خلص لك إحلال المرأة المؤمنة خالصة أي : خلوصاً أو حال من ضمير وهبت أي : حال كون تلك الواهبة خالصة لك ﴿مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإن الإحلال للمؤمنين إنما يتحقق بالمهر أو بمهر المثل إن لم يسم عند العقد ولا يتحقق بلا مهر أصلاً ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي : أوجبنا على المؤمنين ﴿فِى أَزْوَاجِهِمْ﴾ في حقهن في حق ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ﴾ من الأحكام ﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
متعلق بخالصة ولام كي دخلت على كي للتوكيد أي : لئلا يكون عليك ضيق في أمر النكاح فقوله قد علمنا الخ اعتراض بين قوله لكيلا يكون عليك حرج وبين متعلقه وهو خالصة لك من دون المؤمنين مقرر لما قبله من خلوص الإحلال المذكور لرسول الله وعدم تجاوزه للمؤمنين ببيان أنه قد فرض عليهم من شرائط العقد وحقوقه ما لم يفرض عليه صلى الله عليه وسلّم تكرمة له وتوسعة عليه أي : قد علمنا ما ينبغي أن يفرض عليهم في حق أزواجهم ومملوكاتهم وعلى أي : حد وعلى أي : صفة يحق أن يفرض عليهم فلرضنا ما ففرضنا على ذلك الوجه وخصصناك ببعض الخصائص كالنكاح بلا مهر وولي وشهود ونحوها وفسروا المفروض في حق الأزواج بالمهر والولي والشهود والنفقة ووجوب القسم والاقتصار على الحرائر الأربع وفي حق المملوكات بكونهن ملكاً طيباً بأن تكون من أهل الحرب لا ملكاً خبيثاً بأن تكون من أهل العهد وفي الحديث :"الصلاة وما ملكت أيمانكم" أي : احفظوا الصلوات الخمس والمماليك بحسن القيام بما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة وغيرها وبغير تكليف ما لا يطيقون من العمل وترك التعذيب قرنه عليه السلام بأمر الصلاة إشارة إلى أن حقوق المماليك واجبة على السادات وجوب الصلوات.
جوانمرد وخوشخوى وبخشنده باش
و حق برتو اشد تو بر خلق اش
حق بنده هركز فرامش مكن
بدستت اكر نوشد وكركهن
و خشم آيدت بركناه كسى
تأمل كنش در عقوبت بسى
كه سهلست لعل بدخشان شكست
شكسته نشايد دكرباره بست
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ أي : فيما يعسر التحرز عنه ﴿رَّحِيمًا﴾ منعماً على عباده بالتوسعة في مظانّ الحرج ونحوه.
واختلف في أنه هل كان عنده عليه السلام امرأة وهبت نفسها منه أولاً.
فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كانت عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقال آخرون بل كان عنده موهوبة نفسها.
واختلفوا فيها فقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين خطبها النبي عليه السلام فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت البعير : وما عليه لرسول الله وقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الأنصارية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
يقول الفقير : ذهب الأكثر إلى تلقيبها بأم المساكين والملقبة به ليست زينب هذه في المشهور وإن كانت تدعى به
٢٠٥


الصفحة التالية
Icon