وفي "التأويلات النجمية" : لما انسلخت نفسه عليه السلام عن صفاتها بالكلية لم يبق له أن يقول يوم القيامة نفسي نفسي ومن هنا قال :"أسلم شيطاني على يدي" فلما اتصفت نفسه بصفات القلب وزال عنها الهوى حتى لا ينطق بالهوى اتصفت دنياه بصفات الآخرة فحل له في الدنيا ما يحل لغيره في الآخرة لأنه نزع من صدره في الدنيا غل ينزع من صدره غيره في الآخرة كما قال :﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ وقال في حقه :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ يعني نزع الغل منه فقال الله تعالى له في الدنيا ﴿تُرْجِى مَن تَشَآءُ﴾ الخ أي : على من تتعلق به إرادتك ويقع عليه اختيارك فلا حرج عليك ولا جناح كما يقول لأهل الجنة ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُ﴾ (الزخرف : ٧١) ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ في الأزل بتأسيس بنيان وجودك على قاعدة محبوبيتك ومحبيتك ﴿حَلِيمًا﴾ فيما صدر منك فيحلم عنك ما لم يحلم عن غيرك انتهى.
قيل إنما لم يقع ظله عليه السلام على الأرض لأنه نور محض وليس للنور ظل.
وفيه إشارة إلى أنه أفنى الوجود الكونيّ الظليّ وهو متجسد في صورة البشر ليس له ظلمة المعصية وهو مغفور عن أصل.
قال بعض الكبار : ليس في مقدور البشر
٢٠٨
مراقبة الله في السر والظن مع الأنفاس فإن ذلك من خصائص الملأ الأعلى.
وأما رسول الله عليه السلام فكان له هذه المرتبة فلم يوجد إلا في واجب أو مندوب أو مباح فهو ذاكر الله على أحيانه.
وما نقل من سهوه عليه السلام في بعض الأمور فهو ليس كسهو سائر الخلق الناشىء عن رعونة الطبع وغفلته وحاشاه عن ذلك بل سهوه تشريع لأمته ليقتدوا به فيه كالسهو في عدد الركعات حيث أنه عليه السلام "صلى الظهر ركعتين ثم سلم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : صليت ركعتين فقام وأضاف إليهما ركعتين" وبعض سهوه عليه السلام ناشىء عن الاستغراق والانجذاب ولذلك كأن يقول :"كلميني يا حميرا".
والحاصل أن حاله عليه السلام ليس كأحوال أفراد أمته ولذا عامل الله تعالى به ما لم يعامل بغيره إذ هو يعلم ما في القلوب والصدور ويحيط بأطراف الأمور نسأل منه التوفيق لرضاه والوسيلة لعطاه وهو المفيض على كل نبي وولي والمرشد في كل أمر خفي وجلي.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـاْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُا وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَا ذَالِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّا وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنا بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا﴾.