﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ﴾ بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي ولوجود الفصل وإذا جاز التذكير بغيره في قوله وقال نسوة، كان معه أجوز.
والنساء والنسوان والنسوة بالكسر جموع المرأة من غير لفظها أي : لا تحل واحدة من النساء مسلمة أو كتابية لما تقرر أن حرف التعريف إذا دخل على الجمع يبطل الجمعية ويراد الجنس وهو كالنكرة يخص في الإثبات ويعم في النفي كما إذا حلف لا يتزوج النساء ولا يكلم الناس أو لا يشتري العبيد فإنه يحنث بالواحد لأن اسم الجنس حقيقة فيه ﴿مِنا بَعْدِ﴾ أي : من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن بين الدنيا والآخرة فاخترنك لأنه نصابك من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمتك منهن أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى.
وإنما حرّم على أمته الزيادة على الأربع بخلافه فإنه عليه السلام في بذرقة النبوة وعصمة الرسالة قد يقدر على أشياء لا يقدر عليها غيره وقد افترض الله عليه أشياء لم يفترضها على أمته لهذا المعنى وهي قيام الليل وإنه إذا عمل نافلة يجب المواظبة عليها وغير ذلك.
وسرّ الاقتصار على الأربع أن المراتب أربع : مرتبة المعنى، ومرتبة الروح، ومرتبة المثال، ومرتبة الحس ولما كان الوجود الحاصل للإنسان إنما حصل له بالاجتماع الحاصل من مجموع الأسماء الغيبية والحقائق العلمية والأرواح النورية والصور المثالية والصور العلوية والسفلية والتوليدية شرع له نكاح الأربع وتمامه في كتب التصوف ﴿وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ تبدل بحذف أحد التاءين والأصل تتبدل وبدل الشيء الخلف منه وتبدله به وأبدله منه وبدله اتخذه بدلاً كما في "القاموس".
قال الراغب : التبدل والإبدال والتبديل والاستبدال جعل الشيء مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول والتبديل يقال للتغيير وإن لم تأت ببدله انتهى.
وقوله :﴿مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ مفعول تبدل ومن مزيدة لتأكيد النفي تفيد استغراق جنس الأزواج بالتحريم.
والمعنى لا يحل لك أن تتبدل بهؤلاء التسع أزواجاً أخر بكلهن أو بعضهن بأن تطلق واحدة وتنكح مكانها أخرى، وبالفارسية :(وحلال نيست ترا آنكه بدل كنى بديشان اززنان ديكر يعني يكى را ازايشان طلاق دهى وبجاى او ديكرى رانكاح كنى) أراد الله لهنّ كرامة وجزاء على ما اخترن رسول الله والدار الآخرة لا الدنيا وزينتها ورضين بمراده فقصر رسوله عليهن ونهاه عن تطليقهن والاستبدال بهن
٢٠٩
﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ الواو عاطفة لمدخولها على حال محذوفة قبلها ولو في أمثال هذا الموقع لا يلاحظ لها جواب، والإعجاب (شكفتى نمودن وخوش آمدن).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
قال الراغب : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء وقد يستعار للروق فيقال : أعجبني كذا أي : راقني والحسن كون الشيء ملائماً للطبع وأكثر ما يقال الحسن بفتحتين في تعارف العامة في المستحسن بالبصر.
والمعنى ولا يحل لك أن تستبدل بهن حال كونك لو لم يعجبك حسن الأزواج المستبدلة وجمالهن ولو أعجبك حسنهن أي : حال عدم إعجاب حسنهن إياك وحال إعجابه أي : على كل حال ولو في هذه الحالة فإن المراد استقصاء الأحوال، وبالفارسية :(بشكفت آردترا خوبى ايشان).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب لما استشهد أراد رسول الله أن يخطبها فنهاه الله عن ذلك فتركها فتزوجها أبو بكر بإذن رسول الله فهي ممن أعجبه حسنهن.
وفي "التكملة" قيل : يريد حبابة أخت الأشعث بن قيس انتهى وفي الحديث "شارطت ربي أن لا أتزوج إلا من تكون معي في الجنة" فأسماء أو حبابة لم تكن أهلاً لرسول الله في الدنيا ولم تستأهل أن تكون معه في مقامه في الجنة فلذا صرفها الله عنه فإنه تعالى لا ينظر إلى الصورة بل إلى المعنى.
ون ترا دل اسير معنى بود
عشق معنى ز صورت اولى بود
حسن معنى نمى شود سرى
عشق آن باشد از زوال برى
اهل عالم همه درين كارند
بحجاب صور كرفتارند


الصفحة التالية
Icon