﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ يقال : أذى يؤذي أذى وأذية وإذاية ولا يقال إيذاء كما في "القاموس" شاع بين أِل التصنيف استعماله كما في "التنبيه" لابن كمال.
ثم إن حقيقة التأذي وهو بالفارسية :(آزرده شدن) في حقه تعالى محال فالمعنى يفعلون ما يكرهه ويرتكبون ما لا يرضاه بترك الإيمان به ومخالفة أمره ومتابعة هواهم ونسبة الولد والشريك إليه والإلحاد في أسمائه وصفاته ونفي قدرته على الإعادة وسب الدهر ونحت التصاوير تشبيهاً بخلق الله تعالى ونحو ذلك ﴿وَرَسُولُهُ﴾ بقولهم : شاعر ساحر كاهن مجنون وطعنهم في نكاح صفية الهارونية وهو الأذى القولي وكسر رباعيته وشج وجهه الكريم يوم أحد ورمي التراب عليه ووضع القاذورات على مهر النبوة.
عبد الله بن مسعود (كفت ديدم رسول خدايرا عليه السلام در مسجد حرام درنماز بود سر بر سجود نهاده كه آن كافر بيامد وشكنبه شتر ميان دوكتف وى فروكذاشت رسول همنان درسجود بخدمت الله ايستاده وسراززمين برنداشت تا آنكه كه فاطمه زهرا رضي الله عنها بيامد وآن از كتف مبارك وى بينداخت وروى نهاد درجمع قريش وآنه سراى ايشان بود كفت) ونحو ذلك من الأذى الفعلي ويجوز أن يكون المراد بإيذاء الله ورسوله ايذاء رسول الله خاصة بطريق الحقيقة وذكر الله لتعظيمه والإيذان بجلالة مقداره عنده وأن إيذاءه عليه السلام إيذاء له تعالى لأنه لما قال :﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ (النساء : ٨٠) فمن آذى رسوله فقد آذى الله.
قال الإمام السهيلي رحمه الله ليس لنا أن نقول أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم في النار لقوله عليه السلام :"لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات" والله تعالى يقول :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية يعني يدخل التعامل المذكور في اللعنة الآتية ولا يجوز القول في الأنبياء عليهم السلام بشيء يؤدي إلى العيب والنقصان ولا فيما يتعلق بهم.
وعن أبي سهلة بن جلاد رضي الله عنه أن رجلاً أم قوماً فبصق في القبلة ورسول الله ينظر إليه فقال عليه السلام حين فرغ :"لا يصل لكم هذا" فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله فذكر ذلك لرسول الله فقال :"نعم" وحسبت أنه قال : إنك آذيت الله ورسوله كما في "الترغيب" للإمام المنذري.
قال العلماء : إذا كان الإمام يرتكب المكروهات في الصلاة كره الاقتداء به لحديث أبي سهلة هذا وينبغي للناظر وولي الأمر عزله لأنه عليه السلام عزله بسبب بصاقه في قبلة المسجد وكذلك تكره الصلاة بالموسوس لأنه يشك في أفعال نفسه كما في "فتح القريب".
وإنما يكره للإمام أن يؤم قوماً وهم له كارهون بسبب خصلة توجب الكراهة أو لأن فيهم من هو أولى منه وأما إن كانت كراهتهم بغير سبب يقتضيها فلا تكره إمامته لأنها كراهة غير مشروعة فلا تعتبر.
ومن الأذية أن لا يذكر اسمه الشريف بالتعظيم والصلاة والتسليم، وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
آن دهان ك كرد وازتسخر بخواند
مر محمد را دهانش ك بماند
٢٣٧
باز آمد كاى محمد عفو كن
اى ترا الطاف علم من لدن
من ترا افسوس مى كردم ز جهل
من بدم افسوس را منسوب واهل
ون خدا خواهدكه رده كس درد
ميلش اندر طعنه اكان برد
ورخدا خواهد كه وشد عيب كس
كم زند در عيب معيوبان نفس
﴿لَّعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ طردهم وأبعدهم من رحمته ﴿فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ﴾ بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئاً منهم ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ﴾ مع ذلك ﴿عَذَابًا مُّهِينًا﴾ يصيبهم في الآخرة خاصة أي : نوعاً من العذاب يهانون فيه فيذهب بعزهم وكبرهم.


الصفحة التالية
Icon