وفي القصة : إشارة إلى أن الأنبياء عليهم السلام لا بد وأن يكونوا متبرئين من النقص في أصل الخلقة وقد يكون تبريهم بطريق خارق للعادة كما وقع لموسى من طريق فرار الحجر كما شاهدوه ونظروا إلى سوأته.
وفي "الخصائص الصغرى" أن من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم أنه لم تر عورته قط ولو رآها أحد طمست عيناه.
وقال بعضهم في وجه الأذى أن موسى خرج مع هارون إلى بعض الكهوف فرأى سريراً هناك فنام عليه هارون فمات ثم إن موسى لما عاد وليس معه هارون قال بنو إسرائيل قتل موسى هارون حسداً له على محبة بني إسرائيل إياه فقال لهم موسى : ويحكم كان أخي ووزيري أترونني أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا فنزل السرير الذي نام عليه فمات حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه وأن هارون مات فيه فدفنه موسى فقيل في حقه ما قيل كما ذكر حتى انطلق موسى إلى قبره ودعا الله أن يحييه فأحياه الله تعالى وأخبرهم أنه مات ولم يقتله موسى عليه السلام وقد سبقت قصة وفاة موسى وهارون في سورة المائدة فارجع إليها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى هذه الأمة بكلام قديم أزلي أن لا يكونوا كأمة موسى في الإيذاء فإنه من صفات السبع بل يكونوا أشداء على الكفار رحماء بينهم ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلّم "لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه" وقال :"المؤمن من أمنه الناس" وقوله :﴿لا تَكُونُوا﴾ نهى عن كونهم بنفي هذه الصفة عنهم أي : كونوا ولا تكونوا بهذه الصفة لتكونوا خير أمة أخرجت للناس فكانوا ولم يكونوا بهذه الصفة.
وفيه إشارة إلى أن كل موجود عند إيجاده بأمركن مأمور بصفة مخصوصة به ومنهي عن صفة غير مخصوصة به فكان كل موجود كما أمر بأمر التكوين ولم يكن كما نهى بنهي التكوين كما قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلّم ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ﴾ (هود : ١١٢) بالاستقامة بأمر التكوين عند الإيجاد فكان كما أمر وقال تعالى ناهياً له نهي التكوين ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَـاهِلِينَ﴾ فلم يكن من الجاهلين كما نهى عن الجهل.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} في رعاية حقوقه وحقوق عباده فمن الأول الامتثال لأمره ومن الثاني ترك الأذى لا سيما في حق رسوله.
قال الواسطي : التقوى على أربعة أوجه : للعامة تقوى الشرك.
وللخاصة تقوى المعاصي.
وللخاص من الأولياء تقوى التوصل بالأفعال.
وللأنبياء تقواهم منه إليه.
﴿وَقُولُوا﴾ في أي : شأن من الشؤون ﴿قَوْلا سَدِيدًا﴾ مستقيماً مائلاً إلى الحق من سد يسد سداداً صار صواباً ومستقيماً فإن السداد الاستقامة يقال سدد السهم نحو الرمية إذا لم يعدل به عن سمتها وخص القول الصدق بالذكر وهو ما أريد به وجه الله ليس فيه شائبة غير وكذب أصلاً لأن التقوى
٢٤٧
صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك فلا يدخل فيها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وقال بعضهم القول السديد داخل في التقوى وتخصيصه لكونه أعظم أركانها.
قال الكاشفي :(قول جامع درين باب آنست كه قول سديد سخنست كه صدق باشد نه كذب وصواب بودنه خطا وجد بودنه هزل نين سخن كوييد) والمراد نهيهم عن ضده أي : عما خاضوا فيه من حديث زينب الجائر عن العدل والقصد، يعني :(دروغ مكوييد وناراستى مكنيد درسخن ون حديث افك) وقصة زينب وبعثهم على أن يسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله.
ـ حكي ـ أن يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت من أكابر علماء العربية جلس يوماً مع المتوكل فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال : أيما أحب إليك إبناي أم الحسن والحسين قال : والله إن قنبرا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات في تلك الليلة ومن العجب أنه أنشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال :
يصاب الفتى من عثرة بلسانه
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه
وعثرته في الرجل تبرا على مهل


الصفحة التالية
Icon