المرتبة الأولى : أنها التكاليف الشرعية والأمور الدينية المرعية ولذا سميت أمانة لأنها لازمة الوجود كما أن الأمانة لازمة الأداء.
وفي "الإرشاد" : عبر عن التكاليف الشرعية بالأمانة لأنها حقوق مرعية أودعها الله المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها انتهى وتلك الأمانة هي العقل أوّلاً فإن به يحصل تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه وفعل ما في طوقهم فعله من الجميل وبه فضل الإنسان على كثير من الخلائق ثم التوحيد والإيمان باليوم الآخر والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وصدق الحديث وحفظ اللسان من الفضول.
وحفظ الودائع وأشدها كتم الأسرار وقضاء الدين والعدالة في المكيال والميزان والغسل من الجنابة والنية في الأعمال والطهارة في الصلاة وتحسين الصلاة في الخلوة والصبر على البلاء والشكر لدى النعماء والوفاء بالعهود والقيام بالحدود وحفظ الفرج الذي هو أول ما خلق الله من الإنسان وقال له : هذه أمانة استودعتكها والإذن والعين واليد والرجل وحروف التهجي كما نقله الراغب في "المفردات"وترك الخيانة في قليل وكثير لمؤمن ومعاهد وغير ذلك مما أمر به الشرع وأوجبه وهي بعينها المواثيق والعهود التي أخذت من الأرواح في عالمها ووضعت أمانة في
٢٤٩
الجوهر الجمادي صورة المسمى بالحجر الأسود لسيادته بين الجواهر وألقمه الحق تلك المواثيق وهو أمين الله لتلك الأمانة.
والمرتبة الثانية : أنها المحبة والعشق والانجذاب الإلهي التي هي ثمرة الأمانة الأولى ونتيجتها وبها فضل الإنسان على الملائكة إذ الملائكة وإن حصل لهم المحبة في الجملة لكن محبتهم ليست بمبنية على المحن والبلايا والتكاليف الشاقة التي تعطي الترقي إذ الترقي ليس إلا للإنسان فليس المحنة والبلوى الا له ألا ترى إلى قول الحافظ :
شب تاريك وبيم موج وكردابى نين هائل
كجا دانند حال ماسبكباران ساحلها
أراد بقوله :"شب تاريك" جلال الذات وبقوله :"بيم موج" خوف صفات القهر وبقوله :"كرداب" در دربحر العشق وهي الامتحانات الهائلة والبرازخ المخوفة وبقوله :"سبكباران ساحل" الزهاد والملائكة الذين بقوا في ساحل بحر العشق وهو بر الزهد والطاعة المجردة وهم أهل الأمانة الأولى ومن هذا القبيل أيضاً قوله :
فرشته عشق نداندكه يست قصه مخوان
بخواه جام كلابى بخاك آدم ريز
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وقول المولى الجامي :
ملائك را ه سود ازحسن طاعت
و فيض عشق برآدم فرو ريخت
(در لوامع آورده كه آن بو العجى كه عشق را درعالم بشريتست درمملكت ملكيت نيست كه ايشان سايه رورد لطف وعصمت اند ومحبت بى دردرا قدر وقيمتى نيست عشق را طائفة در خورندكه صفت ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ (البقرة : ٣٠) سرماية بازار ايشان وسمت ﴿إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ يرايه روزكار ايشانست ملكى را بينى كه اكرجناحى را بسط كند خافقين را در زير جناح خود آرد اما طاقت حمل اين معنى ندارد وآن بياره آدمى زادى را بينى بوستى در استخوانى كشيده بيباك واز شراب بلا درقدح ولا شيده ودروى تغير نيامده آن راست زيراكه آن صاحب دلست) والقلب يحمل ما لا يحمل البدن.
والمرتبة الثالثة أنها الفيض الإلهي بلا واسطة ولهذا سماه بالأمانة لأنه من صفات الحق تعالى فلا يتملكه أحد وهذا الفيض إنما يحصل بالخروج عن الحجب الوجودية المشار إليها بالظلومية والجهولية وذلك بالفناء في وجود الهوية والبقاء ببقاء الربوبية وهذه المرتبة نتيجة المرتبة الثانية وغايتها فإن العشق من مقام المحبة الصفاتية وهذا الفيض والفناء من مقام المحبوبية الذاتية وفي هذا المقام يتولد من القلب طفل خليفة الله في الأرض وهو الحامل للأمانة فالمرتبة الأولى للعوام والثانية للخواص والثالثة لأخص الخواص والأولى طريق الثانية وهي طريق الثالثة ولم يجد سر هذه الأمانة إلا من أتى البيت من الباب وكل وجه ذكره المفسرون في معنى الأمانة حق لكن لما كان في المرتبة الأولى كان ظرفاً ووعاء للأمانة ولبه ما في المرتبة الثانية ولب اللب ما في المرتبة الثالثة ومن الله الهداية إلى هذه المراتب والعناية في الوصول إلى جميع المطالب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
ثم المراد بالسموات والأرض والجبال هي أنفسها أعيانها وأهاليها وذلك لأن تخصص الإنسان بحمل الأمانة يقتضي أن يكون المعروض عليه ما عداه من جميع الموجودات أياً ما كان حيواناً أو غيره وإنما خص في مقام الحمل، ذلك لأنه أصلب الأجسام وأثبتها وأقواها كما خص الأفلاك في
٢٥٠