والقول الثاني : أنه محمول على الفرض والتمثيل فعبر عن اعتبار الأمانة بالنسبة إلى استعدادهن بالعرض عليهن لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها وعن عدم استعدادهن لقبولها بالإباء والإشفاق منها لتهويل أمرها ومزيد فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي هي أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة فالمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كفلت هاتيك الإجرام العظام التي هي مثل في الشدة والقوة مراعاتها وكانت ذات شهود وإدراك لأبين قبولها وأشفقن منها ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روماً لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه ﴿وَحَمَلَهَا الانسَـانُ﴾ عند عرضها عليه كما قال الإمام القشيري (أمانتها برانها عرض نمود وبرانسان فرض نمود آنجاكه عرض بود سرباز زدند واينجا كه فرض بود در معرض حمل رمدند) والمراد بالإنسان الجنس بدليل قوله :﴿إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ أي : تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة لأن الحمل إنما يكون بالهمة لا بالقوة.
قال في "الإرشاد" : وهو إما عبارة عن قبولها بموجب استعداده الفطري أو عن اعترافه يوم الميثاق بقوله بلى ولما حملها قال الله تعالى :﴿وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الإسراء : ٧٠) ﴿هَلْ جَزَآءُ الاحْسَـانِ إِلا الاحْسَـانُ﴾ (الرحمن : ٦٠) (واين را در ظاهر مثالي هست درختانى كه اصل ايشان محكم ترست وشاخ ايشان بيشتربار ايشان خردتر وسبكترباز در ختانى كه ضعيف ترند وسست تر بارايشان شكرف تراست وبزركترون خربزه وكدو ومانند آن ليكن اينجا لطيفه ايست آن درخت كه باراوشكرف تراست وبزركتر طاقت كشيدن آن ندارد اورا كفتند باركران از كردن خويش برفرق زمين نه تا عالميان بدانندكه هركجا ضعيفي است مربى او لطف حضرت عزت است اينست سر) ﴿وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الإسراء : ٧٠) فالإنسان اختص بالعشق وقبول الفيض بلا واسطة وحمله
٢٥٢
من سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رشاش النور الإلهي وكل روح أصابه رشاش نور الله صار مستعداً لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة وكان عرض العشق الفيض عاماً على المخلوقات وحمله خاصاً بالإنسان لأن نسبة الإنسان مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص فالعالم شخص وقلبه الإنسان فكما أن عرض الروح عام على الشخص الإنساني وقبوله وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ثم من القلب بواسطة العروق الممتدة يصل عكس الروح إلى جميع الأعضاء فيكون متحركاً به كذلك عرض العشق والفيض الإلهي عام لاحتياج الموجودات إلى الفيض وقبوله وحمله خاص بالإنسان ومنه يصل عكسه إلى سائر المخلوقات ملكها وملكوتها فأما إلى ملكها وهو ظاهر الكون أعني الدنيا فيصل الفيض إليه بواسطة صورة الإنسان وهو بأمركن باطن الكون أعني الآخرة فيصل الفيض إليها بواسطة روح الإنسان وهو أول شيء تعلقت به القدرة فيتعلق الفيض الإلهي من أمركن أولاً بالروح الإنساني ثم يفيض منه إلى عالم الملكوت فظاهر العالم وباطنه معمور بظاهر الإنسان وباطنه وهذا سر الخلافة المخصوصة بالإنسان.
وقال بعضهم : المراد بالإنسان آدم.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : مثلت الأمانة كالصخرة الملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها وقالوا : لا نطيق حملها وجاء آدم من غير أن دعي وحرك الصخرة وقال : لو أمرت بحملها لحملتها فقلن له احمل فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها وقال : لو أردت أن أزداد لزدت فقلن له : احمل فحملها إلى حقوه ثم وضعها وقال : لو أردت أن أزداد لزدت فقلن له : احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فأراد أن يضعها فقال الله مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
آسمان بارامانت نتوانست كشيد
قرعه فال بنام من ديوانه زدند


الصفحة التالية
Icon