﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـالِمِ الْغَيْبِ﴾ إلا الإقرار والنطق بالحق ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ (العزوب : درشدن) والعازب المتباعد في طلب الكلأ وعن أهله أي : لا يبعد عن علمه ولا يغيب ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ المثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل صنج كما في "المفردات".
والذرة النملة الصغيرة الحميراء وما يرى في شعاع الشمس من ذرات الهواء أي : وزن أصغر نملة أو مقدار الهباء ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الأرْضِ﴾ أي : كائنة فيهما.
وفيه إشارة إلى علمه بالأرواح والأجسام ﴿وَلا أَصْغَرَ مِن ذَالِكَ﴾ المثقال ﴿وَلا أَكْبَرَ﴾ منه ورفعهما على الابتداء فلا وقف عند أكبر والخبر قوله تعالى :﴿إِلا﴾ مسطور ومثبت ﴿فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ﴾ هو اللوح المحفوظ المظهر لكل شيء وإنما كتب جرياً على عادة المخاطبين لا مخافة نسيان وليعلم أنه لم يقع خلل وإن أتى عليه الدهر والجملة مؤكدة لنفي العزوب.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُا قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـالِمِ الْغَيْبِا لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَالِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ * لِّيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا أولئك لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾.
﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ﴾ علة لقوله :﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ وبيان لما يقتضي إتيانها فاللام للعلة عقلاً وللمصلحة والحكمة شرعاً.
﴿أولئك﴾ الموصوفون بالإيمان والعمل.
﴿لَهُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ ستر ومحو لما صدر عنهم مما لا يخلو عنه البشر ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ لا تعب فيه ولا منّ عليه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَالَّذِينَ سَعَوْ﴾ (بشتافتند) ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ القرآنية بالرد والطعن فيها ومنع الناس عن التصديق بها ﴿مُعَـاجِزِينَ﴾ أي : مسابقين كي يفوتونا.
قال في "البحر" : ظانين في زعمهم وتقديرهم أنهم يفوتوننا وإن كيدهم للإسلام يتم لهم.
وفي "المفردات" السعي المشي السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً وأعجزت فلاناً وعاجزته جعلته عاجزاً أي : ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون لهم ثواب وعقاب وهذا في المعنى كقوله تعالى :﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا﴾ وقال في موضع آخر أي : اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزاً فيما أنزلناه من الآيات وبالفارسية :(وميكوشند درانكه مارا عاجز آرند ويش شوند) ﴿أولئك﴾ الساعون ﴿لَهُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ﴾ من للبيان والرجز سوء العذاب أي : من جنس سوء العذاب ﴿أَلِيمٌ﴾ بالرفع صفة عذاب أي : شديد الإيلام ويجيىء الرجز بمعنى القذر والشرك والأوثان كما في قوله :﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ (المدثر : ٥) سماها رجزاً لأنها تؤدي إلى العذاب وكذا سمي كيد الشيطان رجزاً في قوله تعالى :﴿وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَـانِ﴾ (الأنفال : ١١)
٢٦١
لأنه سبب العذاب.
وفي "المفردات" أصل الرجز الاضطراب وهو في الآية كالزلزلة.
﴿وَالَّذِينَ سَعَوْ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ * وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon