﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ مستأنف مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات أي : يعلم أولوا العلم من أصحاب رسول الله ومن شايعهم من علماء الأمة أو من آمن من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما والأول أظهر لأن السورة مكية كما في "التكملة" :﴿الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ أي : النبوة والقرآن والحكمة والجملة مفعول أول لقوله :﴿يَرَى﴾.
﴿هُوَ﴾ ضمير فصل يفيد التوكيد كقوله تعالى :﴿هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ (آل عمران : ١٨٠) ﴿الْحَقِّ﴾ بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى ﴿وَيَهْدِى﴾ عطف على الحق عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى :﴿صَـافَّـاتٍ﴾ أي : وقابضات كأنه قيل ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك الحق وهادياً ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ الذي هو التوحيد والتوشح بلباس التقوى وهذا يفيد رهبة لأن العزيز يكون ذا انتقام من المكذب ورغبة لأن الحميد يشكر على المصدق.
وفيه أن دين الإسلام وتوحيد الملك العلام هو الذي يتوصل به إلى عزة الدارين وإلى القربة والوصلة والرؤية في مقام العين كما أن الكفر والتكذيب يتوصل به إلى المذمة والمذلة في الدنيا والآخرة وإلى البعد والطرد والحجاب عما تعاينه القلوب الحاضرة والوجوه الناظرة.
قال بعض الكبار : يشير بالآية إلى الفلاسفة الذين يقولون : إن محمداً صلى الله عليه وسلّم كان حكيماً من حكماء العرب وبالحكمة أخرج هذا الناموس الأكبر يعنون النبوة والشريعة ويزعمون أن القرآن كلامه أنشأه من تلقاء نفسه يسعون في هذا المعنى مجاهدين جهداً تاماً في إبطال الحق وإثبات الباطل فلهم أسوأ الطرد والإبعاد لأن القدح في النبوة ليس كالقدح في سائر الأمور.
وأما الذين أوتوا العلم من عند الله موهبة منه لا من عند الناس بالتكرار والبحث فيعلمون أن النبوة والقرآن والحكمة هو الحق من ربهم وإنما يرون هذه الحقيقة لأنهم ينظرون بنور العلم الذي أوتوه من الحق تعالى فإن الحق لا يرى إلا بالحق كما أن النور لا يرى إلا بالنور ولما كان يرى الحق بالحق كان الحق هادياً لأهل الحق وطالبيه إلى طريق الحق وذلك قوله :﴿وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ فهو العزيز لأنه لا يوجد إلا به وبهدايته والحميد لأنه لا يرد الطالب بغير وجدان كما قال :"ألا من طلبني وجدني".
قال موسى عليه السلام : أين أجدك يا رب؟ قال : يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ، قال المولى الجامي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
هره جز حق ز لوح دل بتراش
بكذر از خلق جمله حق را باش
رخت همت بخطه جان كش
بر رخ غير خط نيسان كش
بكسلى خويش از هوا وهوس
روى دل درخداى دارى س
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منكري البعث وهم كفار قريش قالوا بطريق الاستهزاء مخاطباً بعضهم لبعض ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ (يا دلالت كنيم ونشان دهيم شمارا) ﴿عَلَى رَجُلٍ﴾ يعنون به النبي صلى الله عليه وسلّم وإنما قصدوا بالتنكير الهزؤ والسخرية ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ أي : يحدثكم ويخبركم بأعجب الأعاجيب ويقول لكم :﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ الممزق مصدر بمعنى التمزيق وهو بالفارسية (را كنده كردن) وأصل التمزيق التفريق يقال مزق ثيابه
٢٦٢
اي : فرقها والمعنى إذا متم وفرقت أجسادكم كل تفريق بحيث صرتم رفاتاً وتراباً ﴿إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي : مستقرون فيه وبالفارسية :(درآفرينش تو خواهيد بود يعني زنده خواهيد كشت) وجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين من جدّ فهو جديد كقل فهو قليل وبمعنى المفعول عند الكوفيين من جدّ النساج الثوب إذا قطعه.
قال في "المفردات" يقال جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه والخلق الجديد إشارة إلى النشأة الثانية والجديدان الليل والنهار والعامل في إذا محذوف دل عليه ما بعده أي : تنشأون خلقاً جديداً ولا يعمل فيها مزقتم لإضافتها إليه ولا ينبئكم لأن التنبئة لم تقع وقت التمزيق بل تقدمت ولا جديد لأن ما بعد أنّ لا يعمل فيما قبلها.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِه جِنَّةُا بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَـالِ الْبَعِيدِ * أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ﴾.
﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ فيما قاله وهذا أيضاً من كلام الكفار وأصل افترى أإفترى بهمزة الاستفهام المفتوحة الداخلة على همزة الوصل المكسورة للإنكار والتعجب فحذفت همزة الوصل تخفيفاً مع عدم اللبس.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨