قال إبراهيم بن أدهم قدس سره : إذا صدق العبد في توبته صار منيباً لأن الإنابة ثاني درجة التوبة.
قال أبو سعيد القرشي المنيب الراجع عن كل شيء يشغله عن الله إلى الله.
وقال بعضهم : الإنابة الرجوع منه إليه لا من شيء غيره فمن رجع من غيره إليه ضيع أحد طرفي الإنابة والمنيب على الحقيقة من لم يكن له مرجع سواه ويرجع إليه من رجوعه ثم يرجع من رجوع رجوعه فيبقى شبحاً لا وصف له قائماً بين يدي الحق مستغرقاً في عين الجمع.
سرى سقطي قدس سره (كويد معروف كرخى را روح الله روحه بخواب ديدم در زير عرض خداى واله ومدهوش وازحق ندايى رسيد بملائكة اين مرد كيست كفتند خداوندا تودانا ترى كفت معروف ازدوشتى ما واله كشته است جز بديدار
٢٦٤
ما بهوش نيايد وجز بلقاى ما ازخود خبر نيابد) فهذه هي حقيقة الرجوع.
ومن هذا القبيل ما حكي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره أنه حج إلى بيت الله الحرام فبينما هو في الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد أعجب الناس حسنه وجماله فصار إبراهيم ينظر إليه ويبكي فقال بعض أصحابه : إناوإنا إليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم قال : يا سيدي ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء؟ فقال إبراهيم : يا أخي عقدت مع الله عقداً لا أقدر على فسخه وإلا كنت أدني هذا الفتى مني وأسلم عليه لأنه ولدي وقرة عيني تركته صغيراً وخرجت فارّاً إلى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وأني لأستحيي من الله أن أعود إلى شيء خرجت منه.
هجرت الخلق كلا في هواكا
وايتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب ارباً
لما سكن الفؤاد إلى سواكا
قال بعضهم : هجر النفس مواصلة الحق ومواصلة النفس هجر الحق ومن الله الإيصال إلى مقام الوصال.
﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الارْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَآءِا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا يا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَه وَالطَّيْرَا وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَـابِغَـاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِا وَاعْمَلُوا صَـالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا﴾ أعطى الله تعالى داود اسماً ليس فيه حروف الاتصال فدل على أنه قطعه عن العالم بالكلية وشرفه بالطافه الخفية والجلية فإن بين الاسم والمسمى مناسبة لا يفهما إلا أهل الحقيقة وقد صح أن الألقاب والأسماء تنزل من صوب السماء والفضل الزيادة والتنوين للنوع أي : نوعاً من الفضل على سائر الأنبياء مطلقاً سواء كانوا أنبياء بني إسرائيل أو غيرهم كما دل عليه قوله تعالى :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (البقرة : ٢٥٣) والفاضل من وجه لا ينافي كونه مفضولاً من وجه آخر وهذا الفضل هو ما ذكر بعد من تأويب الجبال وتسخير الطير وإلانة الحديد فإنه معجزة خاصة به وهذا لا يقتضي انحصار فضله فيها فإنه تعالى أعطاه الزبور كما قال في مقام الامتنان والتفضل.
﴿وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا﴾ (النساء : ١٦٣).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
قال في "التأويلات النجمية" : والفرق بين داود وبين نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه ذكر فضله في حق داود على صفة النكرة وهي تدل على نوع من الفضل وشيء منه وهو الفيض الإلهي بلا واسطة كما دل عليه كلمة منا وقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلّم ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ (النساء : ١١٣) والفضل الموصوف بالعظمة يدل على كمال الفضل وكذا قوله فضل الله لما أضاف الفضل إلى الله اشتمل على جميع الفضل كما لو قال أحد دار فلان اشتملت على جميع الدور انتهى بنوع من التغيير.
ويجوز أن يكون التنكير للتفخيم ومن التأكيد فخامته الذاتية لفخامته الإضافية على أن يكون المفضل عليه غير الأنبياء فالمعنى إذا ولقد آتينا داود بلا واسطة فضلاً عظيماً على سائر الناس كالنبوبة والعلم والقوة والملك والصوت الحسن وغير ذلك يا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ} بدل من آتينا بإضمار قلنا أومن فضلا باضمار قولنا.
والتأويب على معنيين :
أحدهما : الترجيع وهو بالفارسية (نغمه كردانيدن) لأنه من الأوب وهو الرجوع.
والثاني : السير بالنهار كله فالمعنى على الأول رجعي معه التسبيح وسبحي مرة بعد مرة.
قال في "كشف الأسرار" : أوّبي سبحي معه إذا سبح وهو بلسان الحبشة انتهى، وبالفارسية :(باز كردانيدن آوازخودرا باداود دروقت تسبيح أو يعني موافقت كنيد باوى) وذلك بأن يخلق الله تعالى فيها صوتاً مثل صوته كما خلق الكلام في شجرة موسى عليه السلام فكان كلما سبح سمع من الجبال ما يسمع من المسبح ويعقل معنى
٢٦٥


الصفحة التالية
Icon