معجزة له قالوا : فمن ذلك الوقت يسمع الصدى من الجبال وهو ما يرده الجبل على المصوت فيه.
فإن قلت : قد صح عند أهل الحقيقة أن للأشياء جميعاً تسبيحاً بلسان فصيح ولفظ صريح يسمعه الكمل من أهل الشهود فما معنى الفضل فيه لداود؟ قلت : الفضل موافقة الجبال له بطريق خرق العادة كما دل عليه كلمة مع.
فإن قلت : قد ثبت أيضاً عندهم أن أذكار العوالم متنوعة فمتى سمع السالك من الأشياء الذكر الذي هو مشغول به فكشفه خيالي غير صحيح يعني أنه خيال أقيم له في الموجودات وليس له حقيقة وإنما الكشف الصحيح الحقيقي هو أن يسمع من كل شيء ذكراً غير ذكر الآخر.
قلت : لا يلزم من موافقة الجبال لداود أن لا يكون لها تسبيح آخر في نفسها مسموع لداود كما هي فيه والمعنى على الثاني سيرى معه حيث سار، يعني :(سير كنيد با او هرجاكه رود وهركاه كه خواهد واين معجزه داود بودكه با او روان شدى) ولعل تخصيص الجبال بالتسبيح أو السير لأنها على صور الرجال كما دل عليه ثباتها ﴿وَالطَّيْرُ﴾ بالنصب عطفاً على فضلاً يعني وسخرنا له الطير لأن إيتاءها إياه عليه السلام لتسخيرها له فلا حاجة إلى إضماره ولا إلى تقدير المضاف أي : تسبيح الطير كما في "الإرشاد" : وبالفارسية :(ومسخر كرديم ويرا مرغان تادروقت ذكر با او موافق بودندى) نزل الجبال والطير منزلة العقلاء حيث نوديت نداءهم إذ ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته ومطيع لأمره فانظر إذ من طبع الصخور الجمود ومن طبع الطيور النفور ومع هذا قد وافقته عليه السلام فأشد منها القاسية قلوبهم لا يوافقون ذكراً ولا يطاوعون تسبيحاً وينفرون من مجالس أهل الحق نفور الوحوش بل يهجمون عليها بأقدام الإنكار كأنهم الأعداء من الجيوش.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
قال المولى الجامي في "شرح الفصوص" : وإنما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لأنه لما قوي توجهه عليه السلام بروحه إلى معنى التسبيح والتحميد سري ذلك إلى أعضائه وقواه فإنها مظاهر روحه ومنها إلى الجبال والطير فإنها صور أعضائه وقواه في الخارج فلا جرم يسبحن لتسبيحه وتعود فائدة تسبيحها إليه يعني لما كان تسبيحها ينشأ من تسبيحه لا جرم يكون ثوابه عائداً إليه لا إليها لعدم استحقاقها لذلك انتهى.
والحاصل : أن الذكر من اللسان يعبر إلى أن يصل إلى الروح ثم ينعكس النور من الروح إلى جبال النفس وطير القلب ثم بالمداومة ينعكس من النفس إلى البدن فيستوعب جميع أجزاء البدن ظاهرها وباطنها ثم ينعكس من أجزائه العنصرية إلى العناصر الأربعة مفردها ومركبها وينعكس من النفس إلى النفوس أعني النفس النامية والنفس الحيوانية والنفس السماوية والنفس النجومية وينعكس من الروح الإنساني إلى عالم الأرواح إلى أن يستوعب جميع العالم ملكه وملكوته وإليهما الإشارة بالجبال والطير فيذكر العالم بما فيه موافقة للذاكر ثم يعبر الذكر عن المخلوقات ويصعد إلى رب العالمين كما قال :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ (فاطر : ١٠) فيذكره الله تعالى فيكون ذاكراً ومذكوراً متصفاً بصفة الرب وبخلقه ويكون الفضل في حقه كونه مذكوراً للحق.
ثم إن الله تعالى ما بعث نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان لداود عليه السلام حسن صوت جداً زائد على غيره كما أنه كان ليوسف عليه السلام حسن زائد على حسن غيره (هركاه كه
٢٦٦
داود بزبور خواند مشغول شدى سباع ووحوش ازمنازل خود بيرون آمده استماع آواز دلنوازش كردندى وطيور ازنغمات جانفزايش مضطرب كشته خود ازمنزل برزمين افكندندى :
زصوت دلكشش جان تازه كشتى
روانرا ذوق بى انداره كشتى
سهر نك شت ارغنون ساز
ازان ر حالت نشنوده آواز
وكفتند ون داود تسبيح كفتى كوهها بصدا ويرا مدد دادندى ومرغان برز بر سروى كشيده بالحان دلاويز امداد نمودندى وهركس كه آواز وى شنيدى ازلذت آن نغمه بيخود كشتى وازان وجد وسماع بودى كه دريك مجلس هار صد جنازه بركرفتندى) :
و كردد مطرب من نغمه رداز
زشوقش مرغ روح آيد برواز