قال القرطبي : حُسْنُ الصوت هبة الله تعالى وقد استحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بتزيين الصوت وبالترجيع ما لم يكن لحناً مفسداً مغيراً للمبنى مخرجاً للنظم عن صحة المعنى لأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية كما في "فتح القريب" (شبى داود عليه السلام باخود كفت "لا عبدنّ الله تعالى عبادة لم يعبده أحد بمثلها" اين بكفت وبركوه شد تا عبادت كند وتسبيح كويد درميانه شب وحشتى بوى در آمد ورب العالمين آن ساعت كوه را فرمود تا انس دل داودرا باوى تسبيح وتهليل مساعدت كند ندان آواز تسبيح وتهليل ازكوه بديد آمد كه آواز داود در جنب آن نايز كشت باخود كفت) كيف يسمع صوتي مع هذه الأصوات فنزل ملك وأخذ بعضد داود وأوصله إلى البحر فوضع قدمه عليه فانفلق حتى وصل إلى الأرض تحته فوضع قدمه عليها حتى انشقت فوصل إلى الحوت تحت الأرض ثم إلى الصخرة تحت الحوت فوضع قدمه على الصخرة فظهرت دودة وكانت تنشر فقال له الملك : يا داود إن ربك يسمع نشير هذه الدودة في هذا الموضع من وراء السبع الطباق فكيف لا يسمع صوتك من بين أصوات الصخور والجبال فتنبه داود لذلك ورجع إلى مقامه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
همه آوازها در يش حق باز
اكر يدا اكر وشيده آواز
كسى كو بشنود آواز ازحق
شود در نفس خود خاموش مطلق
اللهم أسمعنا كلامك ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ اللين ضد الخشونة يستعمل في الأجسام ثم يستعار للمعاني وإلانة الحديد بالفارسية :(نرم كردانيدن آهن) أي : جعلناه لينا في نفسه كالشمع والعجين والمبلول يصرفه في يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ولا ضرب بمطرقة أو جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه ليناً كالشمع بالنسبة إلى سائر قوى البشرية وكان داود أوتي شدة قوة في الجسد وإن لم يكن جسيماً وهو أحد الوجهين لقوله : ذا الأيد في سورة ص.
﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ أي : أمرناه بأن عمل على أن أن مصدرية حذف منها الباء.
﴿سَـابِغَـاتٍ﴾ أي : دروعاً واسعة تامة طويلة.
قال في "القاموس" سبغ الشيء سبوغاً طال إلى الأرض والنعمة انسبغت ودرع سابغة تامة طويلة انتهى ومنه استعير إسباغ الوضوء أو إسباغ النعمة كما في "المفردات" وهو عليه السلام أول من اتخذها وكانت قبل ذلك صفائح حديد مضروبة قالوا :
٢٦٧
كان عليه السلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكراً فيسأل الناس ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكاً في صورة آدمي فسأله على عادته فقال : نعم الرجل لولا خصلة فيه فسأله عنها فقال : لولا أنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله فعند ذلك سأل ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه تعالى صنعة الدروع فكان يعمل كل يوم درعاً ويبيعها بأربعة آلاف درهم أو بستة آلاف ينفق عليه وعلى عياله ألفين ويتصدق بالباقي على فقراء بني إسرائيل (درلباب كويد ون وفات فرمود هزار ذره در خزانه او بود) وفي الحديث :"كان داود لا يأكل إلا من كسب يده".
وفي الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع فإن العمل بها لا ينقص بمرتبتهم بل ذلك زيادة في فضلهم إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم وفي الحديث :"إن خير ما أكل المرء من عمل يده" قال الشيخ سعدي قدس سره :
بياموز رورده را دست رنج
وكردست دارى و قارون كنج
بايان رسد كيسه سيم وزر
نكردد تهى كيسه يشه ور
﴿وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ﴾ التقدير بالفارسية (اندازه كردن) والسرد في الأصل خرز ما يخشن ويغلظ كخرز الجلد ثم استعير لنظم الحديد ونسج الدروع كما في "المفردات" وقيل لصانع الدروع سراد وزراد بإبدال الزاء من السين وسرد كلامه وصل بعضه ببعض وأتى به متتابعاً وهو إنما يكون مقبولاً إذا لم يخل بالفهم والمعنى اقتصد في نسجها بحيث تناسب حلقها وبالفارسية :(واندازه نكه دار دربافتن آن "يعني حلقها مساوي" درهم افكن تا وضع آن متناسب افتد) ولا تصرف جميع أوقاتك إليه بل مقدار ما يحصل به القوة وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة وهو الأنسب بما بعده.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى إلانة قلبه والسابغات الحكم البالغة التي ظهرت ينابيعها من قلبه على لسانه ﴿وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ﴾ الحديث بأن تتكلم بالحكمة على قدر عقول الناس.
نكته كفتن يش كفهمان زحكمت بيكمان
جوهرى ند ازجواهر ريختن يش خرست
﴿وَاعْمَلُوا﴾ خطاب لداود وأهله لعموم التكليف.
﴿صَـالِحًا﴾ عملاً صالحاً خالصاً من الأغراض ﴿إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا أضيع عمل عامل منكم فأجازيكم عليه وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به.