قال الراغب : يقال جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية ومنه استعير جبيت الخراج جباية.
قيل : كان يقعد على الجفنة ألفا رجل فيأكلون منها وكان لمطبخه كل يوم اثنا عشر ألف شاة وألف بقرة وكان له اثنا عشر ألف خباز واثنا عشر ألف طباخ يصلحون الطعام في تلك الجفان لكثرة القوم.
وكان لعبد الله بن جدعان من رؤساء قريش وهو ابن عم عائشة الصديقة رضي الله عنها جفنة يستظل بظلها ويصل إليها المتناول من ظهر البعير ووقع فيها صبي فغرق وكان يطعم الفقراء كل يوم من تلك الجفنة وكان لنبينا صلى الله عليه وسلّم قصعة يحملها أربعة رجال يقال لها الغراء أي : البيضاء فلما دخلوا في الضحى وصلوا صلاة الضحى أتى بتلك القصعة وقد ثرد فيها فالتفوا حولها أي : اجتمعوا فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أعرابي : ما هذه الجلسة؟ فقال عليه السلام :"إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً" ثم قال :"كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها" قال في "الشرعة" : ولا بركة في القصاع الصغار ولتكن قصعة الطعام من خزف أو خشب فإنهما أقرب إلى التواضع.
ويحرم الأكل في الذهب والفضة وكذا الشرب منهما.
ويكره في آنية النحاس إذا كان غير مطليّ بالرصاص.
وكذا في آنية الصفر وهو بضم الصاد المهملة وسكون الفاء شيء مركب من المعدنيات كالنحاس والأسرب وغير ذلك يقال له بالفارسية :(روى) بترقيق الراء فإنه بتفخيمها بمعنى الوجه ﴿وَقُدُورٍ رَّاسِيَـاتٍ﴾ القدر بالكسر اسم لما يطبخ فيه اللحم كما في "المفردات".
والجمع قدور.
والراسيات جمع راسية من رسا الشيء يرسو إذا ثبت ولذلك سميت الجبال الرواسي والمعنى وقدور ثابتات على الأثافي لا تنزل عنهما لعظمها ولا تحرك من أماكنها وكان يصعد عليها بالسلال وكانت باليمن (وهنوز در بعض از ولايات شام ديكهاى نين ازسنك تراشيده موجودست) وكانت تتخذ القدور من الجبال أو هي قدور النحاس وكانت موضوعة على الأثافي أو كانت أثافيها منها كما في "الكواشي".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بقوله :﴿وَجِفَانٍ﴾ إلى آخره إلى مأدبة الله التي لا نهاية لها التي يأكل منها الأولياء إذ يبيتون عنده كما قال عليه السلام :"أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" ﴿اعْمَلُوا﴾ يا ﴿ءَالَ دَاوُادَ﴾ فنصبه على النداء والمراد به سليمان لأن هذا الكلام قد ورد في خلال قصته وخطاب الجمع للتعظيم أو أولاده أو كل من ينفق عليه أو كل من يتأتى منه الشكر من أمته كما في "بحر العلوم" والمعنى وقلنا له أو لهم اعملوا ﴿شَاكِرًا﴾ نصب على العلة أي : اعملوا له واعبدوه شكراً لما أعطيتكم من الفضل وسائر النعماء فإنه لا بد من إظهار الشكر كظهور النعمة أو على المصدر لا عملوا لأن العمل للمنعم شكر له فيكون مصدراً من غير لفظه أو لفعل محذوف أي : اشكروا شكراً أو حال أي : شاكرين أو مفعول به أي : اعملوا شكراً ومعناه إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً على طريق المشاكلة.
قال بعض الكبار : قال تعالى في حق داود :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا﴾ فلم يقرن بالفضل الذي آتاه شكراً يطلبه منه ولا أخبر أنه أعطاه هذا الفضل جزاء لعمل من أعماله ولما طلب الشكر على ذلك الفضل بالعمل طلبه من آل داود لا منه ليشكره الآل على ما أنعم به على داود فهو في
٢٧٦
حق داود عطاء نعمة وأفضال وفي حق آله عطاء لطلب المعاوضة منهم فداود عليه السلام ليس يطلب منه الشكر على ذلك العطاء وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على إنعامه وهبته فلم يكن ذلك الشكر الواقع منهم مبنياً على طلب من الله سبحانه بل تبرعوا بذلك من عند نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى تورمت قدماه من غير أن يكون مأموراً بالقيام على هذا الوجه شكراً لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلما قيل له في ذلك قال :"أفلا أكون عبداً شكوراً".