وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى شكر داود الروح وسليمان القلب من آله السر والخفي والنفس والبدن فإن هؤلاء كلهم من مولدات الروح فشكر البدن استعمال الشريعة بجميع أعضائه وجوارحه ومحال الحواس الخمس ولهذا قال : اعملوا.
وشكر النفس : بإقامة شرائط التقوى والورع.
وشكر القلب بمحبة الله وخلوه عن محبة ما سواه.
وشكر السر : مراقبته من التفاته لغير الله.
وشكر الروح : ببذل وجوده على نار المحبة كالفراش على شعلة الشمع.
وشكر الخفي قبول الفيض بلا واسطة في مقام الوحدة ولهذا سمي خفياً لأنه بعد فناء الروح في الله يبقى في قبول الفيض في مقام الوحدة مخفياً بنور الوحدة على نفسه ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ﴾ قليل خبر مقدم للشكور.
وقال الكاشفي وصاحب "كشف الأسرار" :(واندكى ازبندكان من ساس دارند) والشكور المبالغ في أداء الشكر على النعماء والآلاء بأن يشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته وأغلب أحواله ومع ذلك لا يوفي حقه لأن التوفيق للشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
حق شكر حق نداند هي كس
حيرت آمد حاصل دانا وبس
آن بزركى كفت باحق درنهان
كاى ديد آرنده هر دوجهان
اى منزه اززن وفرزند وجفت
كى نوانم شكر نعمتهات كفت
يك حضرت دادش از ايزد يام
كفتش از تواين بود شكر مدام
ون درين راه اين قدر بشناختى
شكر نعمتهاى ما رداختى
قال الإمام الغزالي رحمه الله : أحسن وجوه الشكر لنعم الله تعالى أن لا يستعملها في معاصيه بل في طاعاته وذلك أيضاً بالتوفيق.
وعن جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : إن داود جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.
وعن النبي عليه السلام :"إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ألا إن داود أشكر العابدين وأيوب صابر الدنيا والآخرة".
وفي "التأويلات النجمية" وبقوله :﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ﴾ يشير إلى قلة من يصل إلى مقام الشكورية وهو الذي يكون شكره بالأحوال.
فللعوام شكرهم بالأقوال كقوله تعالى :﴿لَوْلا فُصِّلَتْ ءَايَـاتُه﴾ (النمل : ٩٣).
وللخواص شكرهم بالأعمال كقوله :﴿اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُادَ شُكْرًا﴾.
والخواص الخواص شكرهم بالأحوال وهو الاتصاف بصفة الشكورية والشكور هو الله تعالى لقوله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (فاطر : ٣٤) بأن يعطي على عمل فان عشراً في ثواب باق كل ما كان عندكم ينفد وما عنده إلى السرمد إن الله كثير الأحسان فاعمل
٢٧٧
شكراً أيها الإنسان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ القضاء الحكم والفصل والموت زوال القوة الحساسة أي : لما حكمنا على سليمان بالموت وفصلناه به عن الدنيا ﴿مَا دَلَّهُمْ﴾ (دلالت نكرد ديوانرا) ﴿عَلَى مَوْتِهِ﴾ (برمرك سليمان) ﴿إِلا﴾ (مكر) ﴿دَآبَّةُ الأرْضِ﴾ أي : الأرضة وهي دويبة تأكل الخشب بالفارسية (كرمك وب خور) أضيفت إلى فعلها وهو الأرض بمعنى الأكل ولذا سميت الأرض مقابل السماء أرضاً لأنها تأكل أجساد بني آدم يقال أرضت الأرضة الخشبة أرضاً أكلتها فأرضت أرضاً على ما لم يسم فاعله فهي مأروضة ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾ أي : عصاه التي يتوكأ عليها من النسيء وهو التأخير في الوقت لأن العصا يؤخر بها الشيء ويزجر ويطرد ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ سقط سليمان ميتاً.
قال الراغب : خر سقط سقوطاً يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ من تبينت الشيء إذا علمته بعد التباسة عليك أي : علمت الجن علماً يقينياً ينتفي عنده الشكوك والشبه بعد التباس الأمر عليهم ﴿ءَانٍ﴾ أي : إنهم ﴿لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ ما غاب عن حواسهم كما يزعمون ﴿مَا لَبِثُوا﴾ (درنك نمى كردند يكسال) ﴿فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ (در عذاب خوار كننده) يعني التكاليف الشاقة والأعمال الصعبة التي كانوا يعملونها.
والحاصل أنهم لو كان لهم علم بالغيب كما يزعمون لعلموا موت سليمان ولما لبثوا بعده حولاً في تسخيره إلى أن خر فلما وقع ما وقع علموا أنهم جاهلون لا عالمون.
ويجوز أن يؤخذ تبينت من تبين الشيء إذا ظهر وتجلى فتكون أن مع ما في حيزها بدل اشتمال من الجن نحو تبين زيد جهله أي : ظهر للإنس أن الجن لو كانوا يعلمون إلى آخره.
وأصل القصة أنه لما دنا أجل سليمان عليه السلام كان أول ما ظهر من علاماته أنه لم يصبح إلا ورأى في محرابه شجرة نابتة كما قال في "المثنوي" :
هرصباحى ون سليمان آمدي
خاضع اندر مسجد أقصى شدى
نوكياهى رسته ديدى اندرو
س بكفتى نام ونفع خود بكو
توه دارويى يىء نامت ه است
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
توزيان كه ونفعت بركى است
س بكفتى هركياهى فعل ونام
كه من آنرا جانم واين را حمام
من مرين را زهرم واورا شكر