قالت المعتزلة : الجن أجسام رقاق ولرقتها لا نراها ويجوز أن يكثف الله أجسام الجن في زمان الأنبياء دون غيره من الأزمنة وأن يقويهم بخلاف ما هم عليه في غير زمانهم.
قال القاضي عبد الجبار : ويدل على ذلك ما في القرآن من قصة سليمان أنه كثفهم له حتى كان الناس يرونهم وقواهم حتى يعملون له الأعمال الشاقة وأما تكثيف أجسامهم وأقدارهم عليها في غير زمان الأنبياء فإنه غير جائز لكونه نقضاً للعادة.
قال أهل التاريخ : كان سليمان عليه السلام أبيض جسيماً وضيئاً كثير الشعر يلبس البياض وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة وكانت وفاته بعد فراغ بناء بيت المقدس بتسع وعشرين سنة.
يقول الفقير : هو الصحيح أي : كون وفاته بعد الفراغ من البناء لا قبله بسنة على ما زعم بعض أهل التفسير وذلك لوجوه الأول ما في المرفوع من أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة وقد سبق في تفسير قوله تعالى :﴿مِن مَّحَـارِيبَ﴾ والثاني اتفاقهم على أن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاس موسى وبنى مقدار قامة إنسان فلم يؤذن له في الإتمام كما مر وجهه ثم لما دنا أجله وصى به إلى ابنه سليمان وبعيد أن يؤخر سليمان وصية أبيه إلى آخر عمره مع ما ملك مدة أربعين سنة والثالث قصة الخروب التي ذكرها الأجلاء من العلماء فإنها تقتضي أن سليمان صلى في المسجد الأقصى بعد إتمامه كثيراً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "التأويلات النجمية" : تشير الآية إلى كمال قدرته وحكمته وأنه هو الذي سخر الجن والإنس لمخلوق مثلهم وهم الألوف الكثيرة والوحوش والطيور ثم قضى عليه الموت وجعلهم مسخرين لجثة بلا روح وبحكمته جعل دابة الأرض حيواناً ضعيفاً مثلها دليلاً لهذه الألوف الكثيرة من الجن والإنس تدلهم بفعلها على علم ما لم يعلموا.
وفيه أيضاً إشارة إلى أنه تعالى جعل فيها سبباً لإيمان أمة عظيمة وبيان حال الجن أنهم لا يعلمون الغيب.
وفيه إشارة أخرى أن نبيين من الأنبياء اتكئا على عصوين وهما موسى وسليمان فلما قال موسى هي عصاي أتوكأ عليها قال ربه ألقها فلما ألقاها جعلها ثعباناً مبيناً يعني من اتكأ على غير فضل الله ورحمته يكون متكوؤه ثعباناً ولما اتكأ سليمان على عصاه في قيام ملكه بها واستمسك بها بعث الله أضعف دابة وأخسها لإبطال متكئه ومتمسكه ليعلم أن من قام بغيره زال بزواله وأن كل متمسك بغير الله طاغوت من الطواغيت ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها انتهى كلامه.
﴿لَقَدْ﴾ أي : بالله لقد ﴿كَانَ لِسَبَإٍ﴾ كجبل وقد يمنع من الصرف باعتبار القبيلة أي : كان لقبيلة سبأ وهم أولاد سبأ بن يشجب بالجيم على ما في "القاموس" ابن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
وسبأ لقب عبد شمس بن يشجب وإنما لقب به لأنه أول من سبى كما قاله السهيلي
٢٨٠
وهو يجمع قبائل اليمن.
ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية فهو أبو عرب اليمن يقال لهم العرب العاربة.
ويقال لمن تكلم بلغة إسماعيل العرب المستعربة وهي لغة أهل الحجاز فعربية قحطان كانت قبل إسماعيل عليه السلام وهو لا ينافي كون إسماعيل أول من تكلم بالعربية لأنه أول من تكلم بالعربية البينة المحضة وهي عربية قريش التي نزل بها القرآن وكذا لا ينافي ما قيل أن أول من تكلم بالعربية آدم في الجنة فلما أهبط إلى الأرض تكلم بالسريانية وجاء "من أحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق" واشتهر على ألسنة الناس أنه صلى الله عليه وسلّم قال :"أنا أفصح من نطق بالضاد" قال جمع : لا أصل له ومعناه صحيح لأن المعنى أنا أفصح العرب لكونهم هم الذين ينطقون بالضاد ولا توجد في غير لغتهم كما في "إنسان العيون" لعلي بن برهان الدين الحلبي.
﴿فِى مَسْكَنِهِمْ﴾
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨