﴿فَأَعْرِضُوا﴾ أي : أولاد سبأ عن الوفاء وأقبلوا على الجفاء وكفروا النعمة وتعرضوا للنقمة وضيعوا الشكر فبدلوا وبدل لهم الحال.
يقال : أعرض أي : أظهر عرضه أي : ناحيته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : بعث الله تعالى ثلاثة عشر نبياً إلى ثلاث عشرة قرية باليمن فدعوهم إلى الإيمان والطاعة وذكروهم نعمه تعالى وخوفوهم عقابه فكذبوهم وقالوا : ما نعرف له علينا من نعمة فقولوا فربكم فليحبس عنا هذه النعمة إن استطاع ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ الإرسال مقابل الإمساك والتخلية وترك المنع ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ السيل أصله مصدر كالسيلان بمعنى (رفتن آب) وجعل اسماً للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره والعرم من العرامة وهي الشدة والصعوبة يقال عرم كنصر وضرب وكرم وعلم عرامة وعراماً بالضم فهو عارم وعرم اشتد وعرم الرجل إذا شرس خلقه أي : ساء وصعب أضاف السيل إلى العرم أي : الصعب وهو
٢٨٢
من إضافة الموصوف إلى صفته بمعنى سيل المطر العرم أو الأمر العرم.
والمعنى بالفارسية :(س فرستاديم وفروكشاديم بر ايشان سيل صعب ودشوار).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : العرم اسم الوادي، يعني :(نام وادى كه آب از جانب او آمد).
وقال بعضهم : العرم السد الذي يحبس الماء ليعلوا على الأرض المرتفعة، يعني :(عرم بند آبست بلغة حمير).
وقال بعضهم : هو الجرذ الذكر أضاف السيل إليه لأن الله تعالى أرسل جرذاناً برية كان لها أنياب من حديد لا يقرب منها هرة إلا قتلتها فنقبت عليهم ذلك السد، يعني :(بندرا سوراخ كرد) فغرقت جنانهم ومساكنهم ويقال لذلك الجرذ الخلد بالضم لإقامته عند حجره وهو الفار الأعمى الذي لا يدرك إلا بالسمع.
قال أرسطو : كل حيوان له عينان إلا الخلد وإنما خلق كذلك لأنه ترابي جعل الله له الأرض كالماء للسمك وغذاؤه من باطنها وليس له في ظاهرها قوت ولا نشاط ولما لم يكن له بصر عوّضه الله حدة السمع فيدرك الوطء الخفي من مسافة بعيدة فإذا أحس بذلك جعل يحفر في الأرض قيل إن سمعه بمقدار بصر غيره وفي طبعه الهرب من الرائحة الطيبة ويهوي رائحة الكراث والبصل وربما صيد بها فإنه إذا شمها خرج إليها فإذا جاع فتح فاه فيرسل الله له الذباب فيسقط عليه فيأخذه ودمه إذا اكتحل به أبرأ العين كما في "حياة الحيوان".
قال الكاشفي :(درمختار آورده كه فرزندان سبارا درحوالى مأرب از ولايت يمن منزلي بود درميان دوكوه از اعلى تا اسفل آن منزل هده فرسخ وشرب ايشان در اعلاى وادي بود ازشمه در ايان كوى كاه بودى كه فاضل آب ازاوديه يمن با آب ايشان ضم شدى وخرابى كردى).
قال أبو الليث : كان الماء لا يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يجري بين الجبلين (ازبلقيس كه از واليه ولايت ايشان بود درخواست كردند تا سدى بست بسنك وقار دردهانه كوه تا آبهاى اصلي وزاندى از امطار وعيون آنجا جمع شدند).
وقال السهيلي في كتاب "التعريف والاعلام" : كان الذي بنى السد سبأ بن يشجب بناه بالرخام وساق إليه سبعين وادياً ومات قبل أن يستتمه فأتم بعده انتهى (وسه ثقبه برآن سد ترتيب كردتا اول ثقبه اعلى بكشايند وآب بمزروعات وباغها وخود برند وون وفا نكند وكمتر شود وسطى وبآخر سفلى ون سيزده يغمبررا تكذيب كردند ويغمبر آخرين در زمان ادشاه ذي الأوغار بن جيشان بعد از رفع عيسى بديشان آمد واورا بسيار رنجانيدند حق سبحانه وتعالى موشهاى دستى درزير بند ايشان بديد آورده بفرمود تا سوراخ كردند ونيم شب كه همه درخواب بودند بندشكسته شد وسيل در آمده منازل وحدائق ايشان مغمور كشت وبسيار مردم وهاراى هلاك كشت).
وقال في "فتح الرحمن" : فأرسلنا عليهم السيل الذي لا يطاق فخرب السد وملأ ما بين الجبلين وحمل الجنات وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار أي : إلى الجبل وأغرق أموالهم فتفرقوا في البلاد فصاروا مثلاً
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَبَدَّلْنَـاهُم﴾ المذكورتين وآتيناهم بدلهما، وبالفارسية :(وبدل داديم ايشانرا بباغهاى ايشان) والتبديل : جعل الشيء مكان آخر والباء تدخل على المتروك على ما هي القاعدة المشهورة ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ ثاني مفعولي بدلنا ﴿ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ صفة لجنتين ويقال في الرفع ذواتاً بالألف وهي تثنية
٢٨٣
ذات مؤنث ذي بمعنى الصاحب والأكل بضم الكاف وسكونه اسم لما يؤكل والخمط كل نبت أخذ طعماً من مرارة حتى لا يمكن أكله والمعنى جنتين صاحبتي ثمر مرّ، وبالفارسية :(دوباغ خداوند ميوهاى تلخ) فيكون الخمط نعتاً للأكل وجاء في بعض القراآت بإضافة الأكل إلى الخمط على أن يكون الخمط كل شجر مر الثمر أو كل شجر له شوك أو هو الأراك على ما قاله البخاري والأكل ثمره.
قال في المختار : الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم ﴿وَأَثْلٍ﴾ معطوف على أكل لا على خمط فإن الإثل هو الطرفاء بالفارسية (كز) أو شجر يشبهه أعظم منه ولا ثمر له، قال الشيخ سعدي قدس سره :
اكر بدكنى شم نيكى مدار
كه هركز نيارد كز انكور بار


الصفحة التالية
Icon