﴿وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ وهو معطوف أيضاً على أكل.
قال البيضاوي وصف السدر بالقلة لما أن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين انتهى فالسدر شجر النبق على ما في "القاموس".
وقال المولى أبو السعود : والصحيح أن السدر صنفان : صنف يؤكل من ثمره وينتفع بورقه لغسل اليد وصنف له ثمرة عفصة لا يؤكل أصلاً وهو البري الذي يقال له الضال والمراد ههنا هو الثاني فكان شجرهم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بسبب أعمالهم القبيحة.
والحاصل أن الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها غير المثمرة.
﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَالِكَ جَزَيْنَـاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَا سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى مصدر قوله تعالى :﴿جَزَيْنَـاهُم﴾ فمحله النصب على أنه مصدر مؤكد له أي : ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر أو إلى ما ذكر من التبديل فمحله النصب على أنه مفعول ثان له أي : ذلك التبديل جزيناهم لا غيره ﴿بِمَا كَفَرُوا﴾ بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها أو بسبب كفرهم بالرسل وفي هذه الآية دليل على بعث الأنبياء بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام فإنه روى أن الواقعة المذكورة كانت في الفترة التي بينهما وما قيل من أنه لم يكن بينهما نبي يعني نبي به ذو كتاب كذا في "بحر العلوم" فلا يشكل قوله عليه السلام :"ليس بيني وبينه نبي" أي : رسول مبعوث بشريعة مستقلة بل كل من بعث كان مقرراً لشريعة عيسى وقد سبق تحقيق هذا المبحث مراراً ﴿وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ﴾ أي : وما نجازي هذا الجزاء إلا المبالغ في الكفران أو الكفر.
فهل وإن كان استفهاماً فمعناه النفي ولذلك دخلت إلا في قوله إلا الكفور.
قال في "القاموس" : هل كلمة استفهام وقد يكون بمعنى الجحد وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالاً والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعاً.
وفي الآية إشارة إلى أن المؤمن الشاكر يربط بشكره النعم الصورية والمعنوية من الإيقان والتقوى والصدق والإخلاص والتوكل والأخلاق الحميدة وغير الشاكر يزيل بكفرانه هذه النعم فيجد بدلها الفقر والكفر والنفاق والشك والأوصاف الذميمة ألا ترى إلى حال بلعم فإنه لم يشكر يوماً على نعمة الإيمان والتوفيق فوقع فيما وقع من الكفر والعياذ بالله تعالى.
فلما غرس أهل الكفر في بستان القلب والروح الأشجار الخبيثة لم يجدوا إلا الأثمار الخبيثة فما عوملوا إلا بما استوجبوا وما حصدوا إلا ما زرعوا وما وقعوا إلا في الحفرة التي حفروا
٢٨٤
كما قيل :"يداك أوكتا وفوك نفخ" وهذا مثل مشهور يضرب لمن يتحسر ويتضجر مما يرد عليه منه يقال أوكأ على سقائه إذا شده بالوكاء والوكاء للقربة وهو الخيط الذي يشد به فوها وقد ورد في العبارة النبوية :"فمن وجد خيراً فليحمد الله" أي : الذي هو ينبوع الرحمة والخير "ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"، وفي "المثنوي" :
داد حق اهل سبارا بس فراغ
صد هزاران قصر وايوانها وباغ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
شكر آن نكزاردند آن بدركان
در وفا بودند كمتر از سكان
مر سكانرا لقمه نانى زدر
ون رسد بردرهمى بنددكمر
اسبان وحارس در ميشود
كره بروى جور سختى ميرود
هم بران درباشدش باش وقرار
كفر دارد كرد غيرى اختيار
بيوفايى ون سكانرا عار بود
بيوفايى ون روا دارى نمود