﴿وَجَعَلْنَا﴾ عطف على كان لسبأ وهو بيان لما أوتوا من النعم البادية في مسايرهم ومتاجرهم بعد حكاية ما أوتوا من النعم الحاضرة في مساكنهم ومحاضرهم وما فعلوا بها من الكفران وما فعل بهم من الجزاء تكملة لقصتهم وإنما لم يذكر الكل معاً لما في التثنية والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير والمعنى وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فنون النعم ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أي : بين بلادهم اليمنية ﴿وَبَيْنَ الْقُرَى﴾ الشامية ﴿الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا﴾ (بركت داده ايم دران) يعني بالمياه والأشجار والثمار والخصب والسعة في العيش للأعلى والأدنى والقرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس بلدة كانت أو غيرها والمراد هنا فلسطين وأريحا وأردن ونحوها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء والمبارك ما فيه ذلك الخير ﴿قُرًى ظَـاهِرَةً﴾ أصل ظهر الشيء أن يحصل على ظهر الأرض فلا يخفى وبطن الشيء أن يحصل في بطنان الأرض فيخفي ثم صار مستعملاً في كل ما برز للبصر والبصيرة أي : قرى متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لا عين أهلها أو راكبة متن الطريق ظاهرة للسابلة غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم (ودرعين المعاني آورده كه ازمأرب كه منزل أهل سبابود تاشام هار هزار وهفصدديه بود متصل ازسباتا بشام) ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ﴾ (التقدير : اندازه كردن) والسير المضي في الأرض أي : جعلنا القرى في نسبة بعضها إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل قيل : كان الغادي من قرية يقيل في الأخرى والرائح منها يبيت في أخرى إلى أن يبلغ الشام لا يحتاج إلى حمل ماء وزاد وكل ذلك كان تكميلاً لما أوتوا من أنواع النعماء وتوافيراً لها في الحضر والسفر ﴿سِيرُوا فِيهَا﴾ على إرادة القول بلسان المقال والحال فإنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه أي : وقلنا لهم سيروا في تلك القرى لمصالحكم ﴿لَيَالِىَ وَأَيَّامًا﴾ أي : متى شئتم من الليالي والأيام حال كونكم ﴿ءَامِنِينَ﴾ أصل إلا من طمأنينة النفس وزوال الخوف أي : آمنين من كل ما تكرهونه من الأعداء واللصوص والسباع بسبب كثرة الخلق ومن الجوع والعطش بسبب عمارة المواضع لا يختلف إلا من فيها باختلاف الأوقات أو سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي
٢٨٥
وأياماً كثيرة أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَا سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَـاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّه فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَـاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ (المباعدة والبعاد : از كسى دورشدن وكسى را دور كردن) والسفر خلاف الحضر وهو في الأصل كشف الغطاء وسفر الرجل فهو سافر وسافر خص بالمفاعلة اعتباراً بأن الإنسان قد سفر عن المكان والمكان سفر عنه ومن لفظ السفر اشتقت السفرة لطعام السفر ولما يوضع فيه من الجلد المستدير.
وقال بعضهم : وسمي السفر سفراً لأنه يسفر أي : يشكف عن أخلاق الرجال ويستخرج دعاوي النفوس ودفائنها.
قال أهل التفسير بطر أهل سبأ النعمة وسئموا طيب العيش وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل الثؤم والبصل مكان السلوى والعسل وقالوا : لو كان جني جناننا أبعد لكان أجدر أن نشتهيه وسألوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز وقفاراً ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا الأزواد ويتطاولوا فيها على الفقراء، يعني :(توانكرانرا بردرويشان حسد آمدكه ميان ما وايشان در رفتن هي فرقى نيست ياده ومفلس اين راه همنان ميرودكه سواره وتوانكر ﴿فَقَالُوا﴾ س كفتند اغنياى ايشان اى روردكار ما دورى افكن ميان منازل سفرهاى ما يعني : بيابانها بديدكن ازمنزلى بمنزلي تامردم بى زاد وراحله سفر نتوانند كرد) فعجل لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة وجعلها بلقعاً لا يسمع فيها داع ولا مجيب وفي "المثنوي" :
آن سبا زاهل صبا بودند وخام
كار شان كفران نعمت باكرام
باشد آن كفران نعمت در مثال
كه كنى بامحسن خود توجنال
كه نمى بايد مرا اين نيكويى
من برنجم زين ه رنه ميشوى
لطف كن اين نيكويى را دوركن
من نخواهم عافيت رنجور كن
س سبا كفتند باعد بيننا
شيننا خير لنا خذ زيننا
ما نمى خواهيم اين ايوان وباغ
نى زنان خوب ونى امن وفراغ
شهرها نزديك همديكر بدست


الصفحة التالية
Icon