﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يا محمد او يا من يليق بالخطاب ﴿إِذِ الظَّـالِمُونَ﴾ المنكرون للبعث لأنهم ظلموا بأن وضعوا الإنكار موضع الإقرار ﴿مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي : محبوسون في موقف المحاسبة على أطراف أناملهم وجواب لو محذوف أي : لرأيت أمراً فظيعاً شنيعاً تقصر العبارة عن تصويره يعني :(هرآينه به بينى امرى صعب وكارى دشوار) وإنما دخلت لو على المضارع مع أنها للشرط في الماضي لتنزيله منزلة الماضي لأن المترقب في أخبار الله كالماضي المقطوع به في تحقق وقوعه أو لاستحضار صورة الرؤية ليشاهدها المخاطب ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ﴾ أي : يرد من رجع رجعاً بمعنى رد ﴿إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ أي : يتحاورون ويتراجعون القول ويتجاذبون أطراف المجادلة وبالفارسية :(محاوره ميكنند سخن برهم ميكردانند وجواب ميكويند) ثم أبدل منه قوله :﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ (الاستضعاف : ضعيف شمردن) أي : يقول الاتباع الذين عدوا ضعفاء وقهروا وبالفارسية :(زبون وبياره كرفتكان) ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ (سر كشى ميكردند دردنيا) أي : للرؤساء الذين بالغوا في الكبر والتعظم عن عبادة الله وقبول قوله المنزل على أنبيائه واستتبعوا الضعفاء في الغي والضلال ﴿لَوْلا أَنتُمْ﴾ أي : لولا إضلالكم وصدكم لنا عن الإيمان ﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ أي : أنتم منعتمونا من الإيمان واتباع الرسول كأنه قيل فماذا قال الذين استكبروا فقيل :
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْه وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّـالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَـاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَه أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ منكرين لكونهم الصادين لهم عن الإيمان مثبتين ذلك لأنفسهم أي : المستضعفين ﴿أَنَحْنُ﴾ (آياما) ﴿صَدَدْنَـاكُمْ﴾ منعناكم وصرفناكم ﴿عَنِ الْهُدَى﴾ (ازقبول ايمان وهدايت) ﴿بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ﴾ أي : الهدى أي : لم نصدكم عنه كقولك ما أنا أقلت هذا تريد لم أقله مع أنه مقول لغيري فإن دخول همزة الاستفهام الإنكاري على الضمير يفيد نفي الفعل عن المتكلم وثبوته لغيره كما قال :﴿بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ﴾ في الإجرام فبسبب ذلك صددتم أنفسكم عن الإيمان وآثرتم التقليد وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبب عداوة في الآخرة وتبرى بعضهم من بعض.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ مجيبين ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾
٢٩٧
عطف على الجملة الاستئنافية وإضراب على إضرابهم وإبطال له ﴿بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة أي : بل صدّنا مكركم بنا في الليل والنهار وحملكم إيانا على الشرك والأوزار فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعاً يعني اتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به كقوله :"يا سارق الليلة أهل الدار" أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين مجازاً ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَآ﴾ ظرف للمكر أي : بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا ﴿أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَه أَندَادًا﴾ نقول له شركاء على أن المراد بمكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر كما في قوله تعالى : يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنابِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا} فإن الجعلين المذكورين نعمة من الله أي : نعمة وإما أمور أخر مقارنة للأمر داعية إلى الامتثال به والترغيب والترهيب ونحو ذلك ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ الندامة التحسر في أمر فائت أي : أضمر الفريقان الندامة على ما فعلا من الضلال والإضلال حين ما نفعتهم الندامة وأخفاها كل منهما عن الآخر مخافة التعيير وهو بالفارسية :(سرزنش كردن) أو أظهروها فإنه من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات والسلب كما في أشكيته وهو المناسب لحالهم
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon