﴿قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ ءَامِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَمَآ﴾ (ونيست) ﴿أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم﴾ كلام مستأنف من جهته تعالى مبالغة في تحقيق الحق أي : وما جماعة أموالكم وأولادكم أيها الناس ﴿بِالَّتِى﴾ بالجماعة التي فان الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث أو بالخصلة التي فيكون تأنيث الموصول باعتبار تأنيث الصفة المحذوفة ﴿تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى﴾ نصب مصدراً بتقربكم كأنبتكم من الأرض نباتاً والزلفى والزلفة والقربى والقربة بمعنى واحد.
وقال الأخفش : زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً ﴿وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى﴾ استثناء من مفعول تقربكم أي : وما الأموال والأولاد تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي أنفق أمواله في سبيل الله وعلم أولاده الخير ورباهم على الصلاح والطاعة أو من مبتدأ خبره ما بعده كما في "الكواشي" فيكون الاستثناء منقطعاً كما في "فتح الرحمن" فأولئك المؤمنون العاملون ثابت ﴿لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ﴾ على أن الجار والمجرور خبر لما بعده والجملة خبر لأولئك وإضافة الجزاء إلى الضعف من إضافة المصدر إلى المفعول أصله فأولئك لهم أن يجازوا الضعف ثم جزاء الضعف ثم جزاء الضعف ومعناه أن يضاعف لهم الواحدة من حسناتهم عشراً فما فوقها إلى سبعمائة إلى ما لا يحصى ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ بسبب ما عملوا من الصالحات ﴿وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ﴾ أي : غرفات الجنة وهي قصورها ومنازلها الرفيعة جمع غرفة وهي البيت فوق البناء يعني كل بناء يكون
٢٩٩
علواً فوق سفل ﴿ءَامِنُونَ﴾ من جميع المكاره والآفات كالموت والهرم والمرض والعدو وغير ذلك.
وفي الآية إشارة إلى أنه لا تستحق الزلفى عند الله بالمال والأولاد مما زين للناس حبه وحب غير الله يوجب البعد عن الله كما قال صلى الله عليه وسلّم "حبك الشيء يعمي ويصم" يعني يعميك عن رؤية غيره ويصمك عن دعوة غيره وهذا أمارة كمال البعد فإن كمال البعد يورث العمى والصمم ولكن من موجبات القربة الأعمال الصالحة والأحوال الصافية والأنفاس الزكية بل العناية السابقة والهداية اللاحقة والرعاية الصادقة فأهل هذه الأسباب هم أهل الدرجات والأمن من الهجران والقطيعة وأما المنقطعون عن هذه الأسباب المفتخرون بما لا ينفع يوم الحساب وهم أهل الغفلات والدعوى والترهات فلهم الدركات والخوف الغالب في جميع الحالات قال الصائب :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
نميدانند اهل غفلت انجام شراب آخر
بآتش مى روند اين غافلان ازراه آب آخر
قال ابراهيم بن أدهم قدس سره لرجل : أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة قال : دينار في اليقظة فقال : كذبت لأن الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا تحبه في اليقظة.
ودخل عمل بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم في داره فوجده في بيت منخفض السطح وقد أثر في جنبه الحصير فقال : ما هذا؟ قال :"يا عمر أما تأثير الحصير في جنبي فحبذا خشونة بعدها لين وأما السطح فسطح القبر يكون أخفض من هذا فنحن تركنا الدنيا لأهلها وهم تركوا لنا الآخرة وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها" فالعاقل من لم يغتر بزينة الدنيا ويسعى إلى مرضاة المولى.
هركه كوته كند بدنيا دست
ر بر آرد و جعفر طيار
فالأولى أن يأخذ الباقي ويترك الفاني.
ـ حكي ـ أن سلطاناً كان يحب واحداً من وزرائه أكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فأراد السلطان أن يظهر حقيقة الحال فأضافهم في دار مزينة بأنواع الزينة ثم قال : ليأخذ كل منكم ما أعجبه في الدار فأخذ كل منهم ما أعجبه من الجواهر والمتاع وأخذ الوزير المحسود السلطان وقال : ما أعجبني إلا أنت فالإنسان لم يجيىء إلى هذه الدار المزينة إلا للامتحان فإنه كالعروس وهي لا تلتفت إلى ما ينثر عليها فإن التفتت فمن دناءة الهمة ونقصان العقل فاليوم يوم الفرصة وتدارك الزاد لسفر المعاد.
ازرباط تن و بكذشتى دكر معموره نيست
زاد راهى برنمى دارى ازين منزل را
نسأل الله سبحانه أن يقطع رجاءنا من غيره مطلقاً ويجعل عزمنا إليه صدقاً وإقبالنا عليه حقاً.