﴿وَالَّذِينَ﴾ هم كفار قريش ﴿يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا﴾ القرآنية بالرد والطعن فيها ويجتهدون في إبطالها حال كونهم ﴿مُعَـاجِزِينَ﴾ ظانين أنهم يعجزوننا ويفوتوننا فلا يكون لهم مؤاخذة بمقابلة ذلك.
قال في "تاج المصادر" (المعاجزة : بركسى يشى كرفتن در كارى) وقد سبق في أوائل السورة ﴿أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ من الإحضار وهو بالفارسية :(حاضر كردن) أي : مدخلون لا يغيبون عنه ولا ينفعهم ما اعتمدوا عليه.
وفي "التأويلات النجمية" :
٣٠٠
هم الذين لا يحترمون الأنبياء والأولياء ولا يرعون حق الله في السر فهم في عذاب الاعتراض عليهم وعذاب الوقوع بشؤم ذلك في ارتكاب محارم الله ثم في عذاب السقوط من عين الحق، وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
ون خدا خواهدكه رده كس درد
ميلش اندر طعنه اكان برد
﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ﴾.
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي : يوسعه عليه تارة ﴿وَيَقْدِرُ لَه﴾ أي : يضيقه عليه تارة أخرى ابتلاء وحكمة فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرار ﴿وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ﴾ ما موصولة بمعنى الذي وبالفارسية :(آنه) مبتدأ خبره قوله ﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ أو شرطية بمعنى أي : شيء وبالفارسية :(هره) نصب بقوله انفقتم ومن شيء بيان له وجواب الشرط قوله فهو يخلفه (والإنفاق : نفقه كردن) يقال نفق الشيء مضى ونفد إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقاً وإما بالموت نحو نفقت الدابة نفوقاً وإما بالفناء نحو نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها (والإخلاف : بدل بازدادن ازمال وفرزند) يقال اخلف الله له وعليه إذا أبدل له ما ذهب عنه والمعنى الذي أو أي : شيء أنفقتم في طاعة الله وطريق الخير والبر فالله تعالى يعطي خلفاً له وعوضاً منه إما في الدنيا بالمال أو بالقناعة التي هي كنزل لا يفنى وإما في الآخرة بالثواب والنعيم أو فيهما جميعاً فلا تخشوا الفقر وانفقوا في سبيل الله وتعرضوا لالطاف الله عاجلاً أو آجلاً.
وفي "التأويلات النجمية" : وما أنفقتم من شيء من الموجودات أو الوجود فهو يخلفه من الموجود الفاني بالموجود الباقي ومن الوجود المجازي بالوجود الحقيقي فمن الخلف في الدنيا الرضى بالعدم والفقر صورة ومعنى وهو أتم من السرور بالموجود والوجود.
افتد هماى دولت اكر دركمندما
ازهمت بلند رها ميكنيم ما
﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ أي : خير من أعطى الرزق فإن غيره كالسلطان والسيد والرجل بالنسبة إلى جنده وعبده وعياله واسطة في إيصال رزقه ولا حقيقة لرازقيته والله تعالى يعطي الكل من خزائن لا تفنى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه خير المنفقين لأن خيرية المنفق بقدر خيرية النفقة فما ينفق كل منفق في النفقة فهو فان وما ينفق الله من نفقة ليخلفه بها فهي باقية والباقيات خير من الفانيات انتهى.
قال في "بحر العلوم" لما كانت إقامة مصالح العباد من أجل الطاعات وأشرف العبادات لأنها من وظيفة الأنبياء والصالحين دلهم الله في الآية على طرف منها حثاً عليها كما قال عليه السلام حثاً لأمته عليها :"الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله" قال العسكري : هذا على التوسع والمجاز كأن الله تعالى لما كان المتضمن لأرزاق العباد والكافل بها كان الخلق كالعيال له وفي الحديث :"إنأملاكاً خلقهم كيف يشاء وصورهم على ما يشاء تحت عرشه ألهمهم أن ينادوا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في كل يوم مرتين ألا من وسع على عياله وجيرانه وسع الله عليه في الدنيا والآخرة ألا من ضيق ضيق الله عليه ألا إن الله قد أعطاكم لنفقة درهم على عيالكم خير من سبعين قنطاراً" والقنطار كجبل أحد وزناً "أنفقوا ولا تخشوا ولا تضيقوا ولا تقتروا وليكن أكثر نفقتكم يوم الجمعة" وفي الحديث :"كل معروف صدقة" وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له به صدقة
٣٠١
وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة" ومعنى كل معروف صدقة أن الإنفاق لا ينحصر في المال بل يتناول كل بر من الأموال والأقوال والأفعال والعلوم والمعارف وإنفاق الواصلين إلى التوحيد الحقاني والمعرفة الذاتية أفضل وأشرف لأن نفع الأموال للأجساد ونفع المعارف للقلوب والأرواح ومعنى ما وقى به عرضه ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقى وفي الحديث :"إن لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة" وفي الحديث :"ينادي منادٍ كل ليلة لا دواء للموت وينادي آخر ابنوا للخراب وينادي منادٍ هب للمنفق خلفاً وينادي مناد هب للممسك تلفاً" قال الحافظ :
أحوال كنج قارون كايام داد برباد
باغنه باز كوييد تازرنهان ندارد
وفي المثنوي :
آن درم دادن سخى را لايقست
جان سردن خودسخاى عاشقستنان دهى ازبهر حق نانت دهند


الصفحة التالية
Icon