وفي الآية : إشارة إلى أنه كما يعبد قوم الملائكة بقول الشيطان وتتبرأ الملائكة منهم يوم القيامة كذلك من يعبد الله بقول الوالدين أو الاستاذين أو أهل بلده أو بالتعصب والهوى كما يعبده اليهود والنصارى والصابئون والمجوس وأهل البدع والأهواء يتبرأ الله منه ويقول : أنا بريء من أن أعبد بقول الغير وبقول من يعبدني بالهوى أو بإعانة أهل الهوى فإن من عبدني بالهوى فقد عبد الهوى ومن عبدني بإعانة أهل الهوى إياه على أن يعبدني فقد عبد أهل الهوى لأنه ما عبدني مخلصاً كما أمرته ولهذا المعنى أمرنا الله أن نقول في عبادته في الصلاة إياك نعبد أي : لم نعبد غيرك وإياك نستعين على عبادتك بإعانتك لا بإعانة غيرك وبقوله :﴿أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾ يشير إلى أن أكثر مدعي الإسلام بأهل الهوى مؤمنون أي : بتقليدهم وتصديقهم فيما ينتمون إليه من البدع والاعتقاد السوء كذا في "التأويلات النجمية"، قال الصائب :
ه قدر راه بتقليد توان يمودن
رشته كوتاه بود مرغ نو آموخته را
﴿قَالُوا سُبْحَـانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّا أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا﴾.
﴿فَالْيَوْمَ﴾ أي : يوم الحشر ﴿لا يَمْلِكُ﴾ (الملك بالحركات الثلاث : خداوند شدن) ﴿بَعْضُكُمْ﴾ يعني المعبودين ﴿لِبَعْضٍ﴾ يعني العابدين ﴿نَفْعًا﴾ بالشفاعة ﴿وَلا ضَرًّا﴾ أي : دفع ضر وهو العذاب على تقدير المضاف إذ الأمر فيه كلهلأن الدار دار جزاء ولا يجازي الخلق أحد غير الله.
قال في "الإرشاد" تقييد هذا الحكم بذلك اليوم مع ثبوته على الإطلاق لانعقاد رجائهم على تحقيق النفع يومئذٍ وهذا الكلام من جملة ما يقال للملائكة عند جوابهم بالتنزه والتبري مما نسب إليهم الكفرة يخاطبون على رؤوس الإشهاد إظهاراً لعجزهم وقصورهم عند عبدتهم وتنصيصاً على ما يوجب خيبة رجائهم بالكلية والفاء ليست لترتيب ما بعدها
٣٠٣
من الحكم على جواب الملائكة فإنه محقق أجابوا بذلك أم لا بل لترتيب الإخبار به عليه ﴿وَنَقُولُ﴾ في الآخرة ﴿لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم بالكفر والتكذيب فوضعوهما موضع اللإيمان والتصديق وهو عطف على يقول للملائكة لا على يملك كما قيل لأنه مما يقال يوم القيامة خطاباً للملائكة مترتباً على جوابهم المحكي وهذا حكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لما سيقال للعبدة يومئذٍ أثر حكاية ما سيقال للملائكة ﴿ذُوقُوا﴾ الذوق في الأصل وإن كان فيما يقل تناوله كالأكل فيما يكثر تناوله إلا أنه مستصلح للكثير ﴿عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم﴾ في الدنيا ﴿بِهَآ﴾ متعلق بقوله :﴿تُكَذِّبُونَ﴾ وتصرون على القول بأنها غير كائنة فقد وردتموها وبطل ظنكم ودعواكم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن من علق قلبه بالأغيار وظن صلاح حاله من الاحتيال والاستعانة بالأمثال والأشكال نزع الله الرحمة من قلوبهم فتتركهم وتشوش أحوالهم فلا لهم من الأشكال والأمثال معونة ولا لهم من عقولهم في أمورهم استبصار ولا إلى الله رجوع إلا في الدنيا فإن رجعوا إليه في الآخرة لا يرحمهم ولا يجيبهم ويذيقهم عذاب نار البعد والقطيعة لكونهم ظالمين أي : عابدين غير الله تعالى (احمد حرب كفت خداى تعالى خلق را آفريده تا اورا بيكانكى شتاسند وشريك نسازند ورزق داد تا ورا برزاقى بدانند وميراند تا ورا بقهارى شناسند "ألا ترى أن الموت يذل الجبابرة ويقهر الفراعنة" وزنده كردانيد تا اورا بقادري بدانند ونكه قادر مطلق اوست انسان ببايدكه عجز خودرا بداند وعدم طاقت اودر زيربار قهرش شناسند ورحوع كند باختيار نه باضطرار وازحق شناسد توفيق هركار).
نكشود صائب ازمدد خلق هي كار
از خلق روى خود بخدا مى كنيم ما
اعلم أن من عبد الجن وأطاع الشيطان فيما شاء وهو زوال دينه يكون عذابه في التأبيد كعذاب إبليس ومن أطاع النفس فيما شاءت وهي المعصية يكون عذابه على الانقطاع ومن أطاع الهوى فيما شاء وهو الشهوات يكون له شدة الحساب من أجاب إبليس ذهب عنه المولى ومن أجاب النفس ذهب عنه الورع ومن أجاب الهوى ذهب عنه العقل.
وكان يحيى عليه السلام مع جلالة قدره وعدم همه بخطيئة يخاف من عذاب النار ويبكي في الليل والنهار والغافل كيف يأمن من سلب الإيمان مع كثرة العصيان وله عدو مثل الشيطان فلا بد من التوبة عن الميل إلى غير الله تعالى في جميع الأحوال والتضرع والبكاء في البكر والآصال لتحصل النجاة من النيران والفوز بدرجات الجنان والتنعم بنعيم القرب وشهود الرحمن.
زشت آينه روى مراد نتوان ديد
تراكه روى بخلق است ازخداه خبر